جاءوا، وجاءه الجُلوديّ والإفريقيّ وأبو البطّ وأصحاب الهِرْش. قال: فجعل ينظر إليهم، وأنا أراه راجلًا ورشيد راكب. قال: وبلغ أمّ جعفر الخبرُ، فدخلت على محمد، وجعلت تطلب إلى محمد، فقال لها: نُفيتُ من قرابتي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن لم أقتله! وجعلتْ تلحّ عليه، فقال لها: والله إني لأظنني سأسطو بك. قال: فكشفت شعرَها، وقالت: ومن يدخل عليّ وأنا حاسر! قال: فبينا محمد كذلك - ولم يأت العباس بعدُ - إذ قدم صاعد الخادم عليه بقتل عليّ بن عيسى بن ماهان، فاشتغل بذلك، وأقام العباس في الدّهليز عشرة أيام، ونسيه ثم ذكره، فقال: يُحبَس في حُجْرة من حُجَر داره، ويدخل عليه ثلاثة رجال من مواليه من مشايخهم يَخْدُمونه، ويُجعل له وظيفة في كلّ يوم ثلاثة ألوان. قال: فلم يزل على هذه الحال حتى خرج حسين بن عليّ بن عيسى بن ماهان، ودعا إلى المأمون، وحبس محمد. قال فمرَّ إسحاق بن عيسى بن علي ومحمد بن محمد المعبديّ بالعباس بن عبد الله وهو في منظرة، فقالا له: ما قعودك؟ اخرج إلى هذا الرجل - يعنيان حسين بن عليّ - قال: فخرج فأتى حسينًا، ثم وقف عند باب الجسر؛ فما ترك لأم جعفر شيئًا من الشتم إلا قاله، وإسحاق بن موسى يأخذ البيعة للمأمون. قال: ثم لم يكن إلا يسيرًا حتى قتِل الحسين، وهرب العباس إلى نهر بين إلى هَرْثمة، ومضى ابنه الفضل بن العباس إلى محمد، فسعى إليه بما كان لأبيه، ووجّه محمد إلى منزله، فأخذ منه أربعة آلاف ألف درهم وثلثمائة ألف دينار، وكانت في قماقم في بئر، وأُنْسوا قمقميْن من تلك القماقم، فقال: ما بقي من ميراث أبي سوى هذين القمقمين، وفيهما سبعون ألف دينار. فلما انقضت الفتنة وقُتِل محمد رجع إلى منزله فأخذ القمقمين وجعلهما ..... وحجّ في تلك السنة، وهي سنة ثمان وتسعين ومائة (١).
قال أحمد بن إسحاق: وكان العباس بن عبد الله يحدّث بعد ذلك؛ فيقول: قال لي سليمان بن جعفر ونحن في دار المأمون: أمَا قتلت ابنك بعدُ؟ فقلت:
(١) أحمد بن إسحاق بن برصوما لم نجد له ترجمة في كتب التراجم وإن كان لقب المغني مقصودًا به هو (أحمد) فكيف يكون عدلًا ثقة لنعتمد على خبره، ولم نجد للخبر تأييدًا من مصدر آخر ثقة والله أعلم.