للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا عمّ، جعلت فداك! ومن يقتل ابنه! فقال لي: اقتله؛ فهو الذي سعى بك وبمالك فأفقرك.

وذُكر عن أحمد بن إسحاق بن برصوما، قال: لمّا حُصِر محمد وضغطه الأمر، قال: ويحكم! ما أحد يستراح إليه! فقيل له: بلى، رجل من العرب من أهل الكوفة، يقال له وضّاح بن حبيب بن بديل التميميّ؛ وهو بقيّة من بقايا العرب، وذو رأي أصيل، قال: فأرسلوا إليه، قال: فقدم علينا، فلمّا صار إليه قال له: إني قد خُبّرت بمذهبك ورأيك، فأَشِر علينا في أمرنا، قال له: يا أميرَ المؤمنين، قد بطل الرأي اليوم وذهب؛ ولكن استعمل الأراجيف؛ فإنها من آلة الحرب؛ فنصب رجلًا كان ينزل دُجيلًا يقال له بكير بن المعتمر؛ فكان إذا نزلت بمحمد نازلة وحادثة هزيمة قال له: هات؛ فقد جاءنا نازلة، فيضع له الأخبار، فإذا مشى الناس تبيّنوا بُطلانها. قال أحمد بن إسحاق: كأني أنظر إلى بكير بن المعتمر شيخ عظيم الخلْق (١).

وذكر عن العباس بن أحمد بن أبان الكاتب، قال: حدّثنا إبراهيم بن الجرّاح، قال: حدّثني كوثر، قال: أمر محمد بن زُبيدة يومًا أن يفرَش له على دُكان في الخُلْد، فبسط له عليه بساط زَرَعيّ، وطُرِحت عليه نمارق وفُرش مثله، وهُيّئ له من آنية الفضة والذهب والجوهر أمر عظيم، وأمر قيّمةَ جواريه أن تهيئ له مائة جارية صانعة، فتُصعَد إليه عشرًا عشرًا، بأيديهنّ العيدان يغنّين بصوت واحد؛ فأصعدت إليه عشرًا، فلما استوين على الدكان اندفعن فغنّين:

هُم قَتَلُوهُ كَي يَكُونوا مَكَانَهُ ... كَمَا غدَرَتْ يومًا بِكِسْرَى مرازِبُهْ

قال: فتأفّف من هذا، ولعنها ولعن الجواري، فأمر بهنّ فأنزلن، ثم لبث هنيهة وأمرها أن تُصعد عشرًا، فلما استوين على الدكان اندفعن فغنّين:

مَنْ كانَ مَسْرورًا بمقتلِ مالكٍ ... فَلْيَأْتِ نِسْوتَنا بِوَجْهِ نَهار

يجِدِ النِّسَاءَ حَوَاسِرًا يَنْدُبْنَهُ ... يَلطُمْن قَبْلَ تبلّج الأَسْحَارِ

قال: فضجر وفعل مثل فَعْلته الأولى، وأطرق طويلًا، ثم قال: أصعِدِي عشرًا، فأصعدتهنّ، فلمّا وقفن على الدّكان، اندفعن يغنين بصوت واحد:


(١) انظر الخبر السابق وتعليقنا عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>