كُلَيبٌ لَعَمْري كَانَ أَكثر نَاصِرًا ... وأَيْسرَ ذَنبًا منك ضرِّجَ بالدَّمِ
قال: فقام من مجلسه، وأمر بهدم ذلك المكان تَطَيُّرًا مما كان (١).
وذُكر عن محمد بن عبد الرحمن الكنْديّ، قال: حدّثني محمد بن دينار، قال: كان محمد المخلوع قاعدًا يومًا، وقد اشتدّ عليه الحصار، فاشتدّ اغتمامه، وضاق صدره؛ فدعا بندمائه والشراب ليتسلَّى به، فَأُتِيَ به، وكانت له جارية يتحظّاها من جواريه، فأمرها أن تُغَنِّي، وتناول كأسًا ليشربه؛ فحبس الله لسانها عن كل شيء، فغنّت:
كُلَيبٌ لَعَمْري كَانَ أَكثر نَاصِرًا ... وأَيْسرَ ذَنبًا منك ضرِّجَ بالدَّمِ
أرماها بالكأس الذي في يده، وأمر بها فطُرحت للأسد، ثم تناول كأسًا أخرى، ودعا بأخرى فغنَّت:
هُمُ قَتَلُوهُ كَيْ يَكُونُوا مَكَانَهُ ... كَمَا غَدَرَتْ يَوْمًا بكِسْرَى مَرازبُهْ
فرمى وجهها بالكأس، ثم تناول كأسًا أخرى ليشربها، وقال لأخرى: غَنّي، فغنت:
قَوْمِي هُمُ قَتَلُوا أُمَيم أَخِي
قال: فرمى وجهها بالكأس، ورمى الصينيّة برجله، وعاد إلى ما كان فيه من همّه، وقُتِل بعد ذلك بأيام يسيرة.
وذُكر عن أبي سعيد أنه قال: ماتت فَطِيم - وهي أمّ موسى بن محمد بن هارون المخلوع - فجزع عليها جزعًا شديدًا، وبلغ أمّ جعفر، فقالت: احملوني إلى أمير المؤمنين، قال: فحمِلت إليه، فاستقبلها، فقال: يا سيّدتي، ماتت فَطِيم، فقالت:
نَفْسي فداؤك لا يذهبْ بك اللَّهَفُ ... ففي بقائِكَ مِمَّن قَدْ مضى خَلَفَ
عُوّضتَ مُوسى فهانتْ كلُّ مَرْزِئةٍ ... ما بَعْدَ مُوسى على مفقودةٍ أَسَفُ
وقالت: أعظم الله أجرك، ووفّر صبرك، وجعل العزاء عنها ذخرك!
(١) راوي الخبر (كوثر) خادم الأمين مجهول الحال وأما انشغال المأمون باللهو والعبث فقد اتهمه بعض المؤرخين المتقدمين بذلك وإن كان فيه كثير مبالغة ولكن هذه الرواية بالذات غير صحيحة والله أعلم.