وذكر عن إبراهيم بن إسماعيل بن هانئ، ابن أخي أبي نواس، قال: حدثني أبي قال: هجا عمُّك أبو نواس مُضَر في قصيدته التي يقول فيها:
أَمّا قريشٌ فَلَا افتخارَ لَهَا ... إلَّا التِّجاراتُ مِنْ مَكَاسِبِها
وأَنَّها إِن ذكرتَ مكْرُمةً ... جاءَت قريشٌ تسعى بغالبِها
إِنَّ قريشًا إِذا هي انتَسبت ... كان لها الشَّطرُ من مناسبها
قال: يريد أن أكرمها يُغالب. قال: فبلغ ذلك الرّشيدَ في حياته، فأمر بحبسه؛ فلم يزل محبوسًا حتى ولي محمد، فقال يمدحه، وكان انقطاعه إليه أيام إمارته، فقال:
تَذكَّرْ أَمينَ اللهِ والعهدُ يُذكَرُ ... مُقامِي وإنشادِيكَ والنَّاسُ حُضَّرُ
ونثرى عليك الدُّرَّ يا درّ هاشمٍ ... فيا مَنْ رَأَى دُرًّا على الدرّ يُنثر!
أَبُوك الَّذي لم يملكِ الأَرضَ مثلُه ... وعمُّك مُوسى عَدْلُهُ المتخَيَّرُ
وجدّك مهدي الهدَى وشقيقهُ ... أَبو أُمّك الأَدنى أَبو الفضل جعفر
وما مثلُ منصوريْك: منصورِ هاشمٍ ... ومنصور قحطانٍ إذا عُدَّ مفخَر
فَمنْ ذَا الَّذِي يرمي بسهمَيْك في العلا ... وعَبْد منافٍ والدَاكَ وحِمْيرُ
قال: فتغنّت بهذه الأبيات جارية بين يدي محمد، فقال لها: لمن الأبيات؟ فقيل له: لأبي نواس، فقال: وما فعل؟ فقيل له: محبوس، فقال: ليس عليه بأس. قال: فبعث إليه إسحاق بن فِراشة وسعيد بن جابر أخا محمد من الرضاعة، فقالا: إن أمير المؤمنين ذكرك البارحة فقال: ليس عليه بأس، فقال أبياتًا، وبعث بها إليه، وهي هذه الأبيات:
أَرقتُ وطَارَ عَنْ عَيْنِي النُّعَاسُ ... وَنَامَ السَّامِرُون وَلمْ يُؤَاسُوا
أَمينَ الله قد مُلِّكتَ مُلكًا ... عَلَيكَ مِن التُّقَى فِيهِ لِبَاسُ
ووجهك يَستهلُّ نَدىً فَيحيا ... به في كلّ ناحيةٍ أُناسُ
كأَنَّ الخلقَ في تمثالِ رُوحٍ ... لَهُ جَسدٌ وأَنْتَ عَلَيْهِ رَاسُ
أَمينَ الله إِنَّ السِّجْنَ بأْسٌ ... وقَدْ أَرْسَلتَ: ليس عليك باسُ
فلما أنشده قال: صدَق، عليّ به، فجيء به في الليل، فكسرتْ قيوده، وأخرِج حتى أدخل عليه، فأنشأ يقول:
مَرحبًا مَرحبًا بخير إِمامٍ ... صيغَ من جَوْهَرِ الخلافةِ نَحْتَا