للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السجون ويتعاهدُهم ويتفقدّهم - ودخل في حبس الزنادقة، فرأى فيه أبا نواس - ولم يكن يعرفه - فقال له: يا شابّ، أنت مع الزنادقة! قال: معاذ الله، قال: فلعلك ممّن يعبد الكبش، قال: أنا آكل الكَبْشَ بصوفه، قال: فلعلك ممّن يعبد الشمس؟ قال: إني لأتجنب القعود فيها بغضًا لها، قال: فبأيّ جرم حبِست؟ قال: حبست بتهمة أنا منها برئ، قال: ليس إلا هذا؟ قال: والله لقد صدقتُك. قال: فجاء إلى الفضل، فقال له: يا هذا، لا تحسنون جوار نعم الله عزّ وجلّ! أيُحْبَسُ الناس بالتّهمة! قال: وما ذاك؟ فأخبره بما ادّعى من جُرمه، فتبسّم الفضل، ودخل على محمد، فأخبره بذلك، فدعا به، وتقدّم إليه أن يجتنب الخمر والسكر، قال: نعم، قيل له: فبعهد الله! قال: نعم، قال: فأخرِج، فبعث إليه فتيان من قريش فقال لهم: إني لا أشرب، قالوا: وإن لم تشرب فآنِسْنا بحديثك، فأجاب، فلما دارت الكأس بينهم، قالوا: ألم ترتح لها؟ قال: لا سبيل والله إلى شربها، وأنشأ يقول:

أَيُّها الرَّائِحَانِ باللومِ لُومَا ... لا أَذُوق المُدامَ إِلا شمِيما

نَالَنِي بالمَلامِ فيها إِمامٌ ... لا أُرَى في خلافِهِ مستقيما

فَاْصِرفَاهَا إِلى سِوَايَ فإِني ... لَسْتُ إِلَّا على الحديث نَدِيمَا

إِنَّ حظّي منها إِذا هيَ دارَت ... أَن أَرَاهَا وأَن أَشَمَّ النَّسيما

فكأَنِّي وَمَا أحَسِّنُ مِنْها ... قَعَدِيٌّ يُزَيّنُ التَّحكيما

كَلَّ عن حَمْلةِ السِّلاح إلى الحَرْ ... بِ فأَوصى المطيقَ أَلا يُقِيما (١)

وذُكِرَ عن أبي الورد السُّبْعيّ أنه قال: كنت عند الفَضل بن سهل بخُراسان، فذكر الأمين، فقال: كيف لا يُسْتَحلّ قتال محمد وشاعره يقول في مجلسه:

أَلا سَقِّنِي خَمْرًا وقلْ لي هِيَ الْخَمْرُ ... وَلا تَسْقِني سرًّا إِذا أَمكَنَ الجهْرُ

قال: فبلغت القصّةُ محمدًا، فأمر الفضل بن الربيع فأخذ أبا نواس فحبسه (٢).

وذكر كامل بن جامع عن بعض أصحاب أبي نواس ورواته، قال: كان أبو نواس قال أبياتًا بلغت الأمين في آخرها:

وقد زَادَني تِيهًا على النَّاسِ أَنَّني ... أَرانيَ أَغنَاهُمْ إِذا كنتُ ذَا عُسرِ


(١) انظر الوزراء والكتاب للجهشياري (٢٩٦).
(٢) انظر الوزراء والكتاب (٢٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>