وَلَوْ لم أَنلْ فَخرًا لكانت صيانَتي ... فمِي عن جميع الناس حَسْبي من الفخر
ولا يَطمَعَنْ في ذَاكَ منِّيَ طامِع ... ولا صَاحِبُ التَّاج المحجَّبُ في القصرِ
قال: فبعث إليه الأمين - وعنده سليمان بن أبي جعفر - فلما دخل عليه، قال: يا عاضّ بَظْر أمّه العاهرة! يا بن اللخناء - وشتمه أقبح الشتم - أنت تكسب بشعرك أوساخ أيدي اللئام، ثم تقول:
ولا صاحبُ التاج المحجب في القصر
أما والله لا نلتَ مني شيئًا أبدًا. فقال له سليمان بن أبي جعفر، والله يا أمير المؤمنين، وهو من كبار الثنويَّة، فقال محمد: هل يشهد عليه بذلك شاهد؟ فاستشهد سليمان جماعة، فشهد بعضهم أنه شرب في يوم مطير، ووضع قَدَحه تحت السماء، فوقع فيه القطر، وقال: يزعمون أنه ينزل مع كلّ قطرة مَلك، فكم ترى أني أشرب الساعة من الملائكة! ثم شرب ما في القَدَح، فأمر محمد بحبسه، فقال أبو نواس في ذلك:
يَا رَبّ إِنَّ القَوْمَ قد ظَلَمُونِي ... وَبلَا اقتِرافِ تَعَطُّلٍ حَبَسُونِي
وِإلى الجُحودِ بما عَرفتَ خلَافَهَ ... مِنِّي إِليه بكيدهمْ نَسَبُوني
ما كان إلا الجرْيُ في مَيْدانِهِمْ ... في كلِّ جَرْيٍ والمخافةُ ديني
لا العذرُ يُقبل لي فيَفرقَ شَاهِدِي ... منهم ولا يرضوْن حَلفَ يَمينِي
ولكان كوثرُ كان أَوْلى مَحْبسًا ... في دار مَنقَصةٍ ومنزل هُونِ
أَمّا الأَمينُ فلست أَرجو دفعَهُ ... عنِّي، فمن لِي اليومَ بالمأْمون!
قال: وبلغت المأمونَ أبياته، فقال: والله لئن لحقته لأَغنِيَنَّه غنى لا يؤمّله، قال: فمات قبل دخول المأمون مدينة السلام (١).
قال: ولما طال حبسُ أبي نواس، قال في حبسه - فيما ذكر - عن دِعامة:
اِحمدوا اللهَ جميعًا ... يا جَمِيعَ المُسْلِمينا
ثم قولوا لا تَمَلُّوا ... رَبَّنَا أَبقِ الأَمينَا
صيَّر الخِصيَانَ حتَّى ... صيَّر التَّعْنِينَ دِينَا
فاقتدَى النَّاس جميعًا ... بأَميرِ المؤمنينا
(١) انظر الوزراء والكتاب للجهشياري (٢٩٦).