قال: وبلغت هذه الأبيات أيضًا المأمون وهو بخراسان، فقال: إنِّي لأتوكَّفُه أن يهرب إليّ.
وذكر يعقوب بن إسحاق، عمن حدّثه، عن كوثر خادم المخلوع، أنّ محمدًا أرِقَ ذات ليلة، وهو في حَرْبه مع طاهر، فطلب مَنْ يسامره فلم يقرب إليه أحد من حاشيته، فدعا حاجبيه، فقال: ويلك! قد خطرت بقلبي خطرات فأحضِرْني شاعرًا ظريفًا أقطع به بقيّة ليلتي، فخرج الحاجب، فاعتمد أقرب مَنْ بحضرته، فوجد أبا نواس، فقال له: أجب أمير المؤمنين، فقال له: لعلك أردتَ غيري! قال: لم أرد أحدًا سواك. فأتاه به، فقال: مَنْ أنت؟ قال: خادمك الحسن بن هانئ، وطليقك بالأمس، قال: لَا تُرَعْ؛ إنه عرضتْ بقلبي أمثال أحببت أن تجعلها في شعر، فإن فعلتَ ذلك أجزتُ حكمك فيما تطلب، فقال: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: قولهم: عفا الله عمّا سلف، وبئس والله ما جَرَى فرسِي، واكسري عودًا على أنفِك، وتمنّعي أشهى لك. قال: فقال أبو نواس. حكمي أربع وصائف مقدودات، فأمر بإحضارهنّ، فقال:
فقَدتِ طُولَ اعتلالِكْ ... وما أرى في مِطالكْ
لقدْ أردتِ جفائي ... وقد أردتُ وصالكْ
ماذا أردت بهذا! ... تمنّعي أَشْهَى لك
وأخذ بيد وصيفة فعزلها، ثم قال:
قد صحّت الأَيمانُ من حَلفِكِ ... وصِحْتُ حتى متُّ مِنْ خلفِكِ
بالله يا ستِّي احنثي مَرَّةً ... ثم اكسِري عُودًا على أنفِكِ