للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يجتَرأ عليه بمثل ما اجترِى به على الحسن بن سهل، وأنّ الدنيا قد تفتّقت من أقطارها، وأن طاهر بن الحسين قد تُنوسيَ في هذه السنين منذ قتل محمد في الرّقة، لا يُستعان به في شيء من هذه الحروب؛ وقد أستعين بمن هو دونه أضعافًا، وسألوا المأمون الخروج إلى بغداد في بني هاشم والموالي والقواد، والجندُ لو رأوا عزّتك سكنوا إلى ذلك، وبخَعُوا بالطاعة.

فلما تحقق ذلك عند المأمون أمر بالرحيل إلى بغداد؛ فلمّا أمر بذلك علم الفضل بن سهل ببعض ذلك من أمرهم، فتعنّتهم حتى ضرب بعضهم بالسياط وحبس بعضًا، ونتف لحى بعض؛ فعاوده عليّ بن موسى في أمرهم، وأعلمه ما كان من ضمانه لهم؛ فأعلمه أنه يداري ما هو فيه. ثم ارتحل من مرْو فلما أتى سرخَسْ شدّ قوم على الفضل بن سهل وهو في الحمام، فضربوه بالسيوف حتى مات؛ وذلك يوم الجمعة لليلتين خلتا من شعبان سنة اثنتين ومائتين. فأخِذوا، وكان الذين قتلوا الفضل من حشم المأمون وهو أربعة نفر: أحدهم غالب المسعوديّ الأسود، وقسطنطين الروميّ، وفرج الديلميّ، وموفّق الصّقلبيّ، وقتلوه وله ستون سنة؛ وهربوا. فبعث المأمون في طلبهم، وجعل من جاء بهم عشرة آلاف دينار، فجاء بهم العباس بن الهيثم بن بُزُرْجمهر الدينوريّ، فقالوا للمأمون: أنت أمرتَنا بقتله، فأمر بهم فضرِبت أعناقهم (١). وقد قيل: إن الذين قتلوا الفضل لمّا أخِذوا ساءلهم المأمون؛ فمنهم من قال: إن عليّ بن أبي سعيد، ابن أخت الفضل دسّهم، ومنهم من أنكر ذلك، وأمر بهم فقتلوا. ثم بعث إلى عبد العزيز بن عمران وعليّ وموسى وخلف فساءلهم فأنكروا أن يكونوا علموا بشيء من ذلك؛ فلم يقبل ذلك منهم وأمر بهم فقتلوا، وبعث برءوسهم إلى الحسن بن سهل إلى واسط، وأعلمه ما دخل عليه من المصيبة لقتل الفضل،


(١) أما خليفة بن خياط فقد ذكر في تأريخه أصل الخبر (٣١٢) فقال: وفيها - أي سنة (٢٠٢ هـ) - خرج أمير المؤمنين من خراسان يريد بغداد ثم ذكر خليفة آخر الخبر (كما ذكره الطبري) فقال: وفيها - أي سنة (٢٠٢ هـ) - قتل الفضل بن سهل بسرخس في شعبان فقتل أمير المؤمنين علي بن أبي سعيد وموسى بن عمران وعبد العزيز بن عمران اتهمهم بقتل الفضل بن سهل (تأريخ خليفة/ ٣١٢).
وقد ذكر ابن قتيبة الدينوري وهو مؤرخ متقدم ثقة هذا الخبر فقال: وقد قتل الفضل بن سهل بسرخس سنة ثلاث ومائتين (المعارف ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>