للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه شطط. وأحمل الناس كلَّهم على مرّ الحق؛ فإنّ ذلك أجمعُ لألْفتِهم وألزمُ لرضا العامة. واعلم أنك جُعلت بولايتك خازنًا وحافظًا وراعيًا؛ وإنما سُمِّي أهل عملك رعيّتك؛ لأنك راعيهم وقيّمهم؛ تأخذ منهم ما أعطوْك من عفوهم ومقدرتهم، وتنفقه في قوام أمرهم وصلاحهم، وتقويم أودهم؛ فاستعمل عليهم في كُور عملك ذوي الرأي والتدبير والتجربة والخبرة بالعمل والعلم بالسياسة والعَفاف، ووسِّع عليهم في الرزق؛ فإنّ ذلك من الحقوق اللازمة لك فيما تقلّدت وأسند إليك، ولا يشغلنّك عنه شاغل، ولا يصرفنّك عنه صارف، فإنك متى آثرته وقُمْت فيه بالواجب استدعيتَ به زيادة النعمة من ربّك، وحسن الأحدوثة في أعمالك، واحترزتَ النصيحة من رعيّتك، وأعنت على الصلاح، فدرّت الخيرات ببلدك، وفشت العمارة بناحيتك، وظهر الخِصْب في كُورك، فكثر خراجُك، وتوفَّرَت أموالك، وقويَت بذلك على ارتباط جندك، وإرضاء العامة باقامة العطاء فيهم من نفسك، وكنت محمودَ السياسة، مرضيّ العدل في ذلك عند عدوِّك، وكنت في أمورك كلها ذا عدل وقوّة، وآلة وعدّة، فنافس في هذا ولا تقدّم عليه شيئًا تحمد مغبة أمرك إن شاء الله.

واجعل في كلّ كورة من عملك أمينًا يخبرك أخبارَ عمّالك، ويكتب إليك بسيرتهم وأعمالهم؛ حتى كأنك مع كلّ عامل في عمله، معاينٌ لأمره كلِّه. وإن أردت أن تأمره بأمر فانظر في عواقب ما أردت من ذلك؛ فإن رأيت السَّلامة فيه والعافية، ورجوت فيه حسن الدفاع والنصح والصنع فأمضه؛ وإلا فتوقّف عنه. وراجع أهل البصر والعلم، ثم خذ فيه عدّته؛ فإنه ربما نظر الرجل في أمرٍ من أمره قد واتاه على ما يهوى، فقوّاه ذلك وأعجبه، وإن لم ينظر في عواقبه أهلكه، ونقضَ عليه أمرَه.

فاستعمل الحزْم في كلّ ما أردت، وباشره بعْد عون الله بالقوّة، وأكثر استخارة ربِّك في جميع أمورك، وافرغ من عمل يومك ولا تؤخّره لغدِك؛ وأكثر مباشرته بنفسك، فإن لغد أمورًا وحوادث تلهيك عن عمل يومك الذي أخّرتْ. واعلم أنّ اليوم إذا مضى ذهب بما فيه، وإذا أخّرت عمله اجتمع عليك أمر يومين، فشغلك ذلك حتى تعرض عنه؛ فإذا أمضيتَ لكلّ يوم عمَله أرحْتَ نفسَك وبدَنك، وأحكمت أمور سلطَانك.

<<  <  ج: ص:  >  >>