وانظر أحرارَ الناس وذوِي الشرف منهم، ثم استيقنْ صفاء طويّتهم وتهذيبَ مودّتهم لك، ومظاهرتهم بالنصح والمخالصة على أمرك، فاستخلصهم وأحسن إليهم، وتعاهَدْ أهلَ البيوتات ممن قد دخلت عليهم الحاجة، فاحتمل مؤْنتهم، واصلح حالهم؛ حتى لا يجدوا لخلّتهم مسًّا. وأفرد نفسك للنظر في أمور الفقراء والمساكين، ومن لا يقدر على رفع مظلمة إليك. والمحتقر الذي لا علم له بطلب حقه؛ فاسأل عنه أحفَى مسألة، ووكّل بأمثاله أهلَ الصلاح من رعيّتك، ومرهم برفع حوائجهم وحالاتهم إليك، لتنظر فيها بما يصلح الله أمرهم. وتعاهد ذوي البأساء ويتاماهم وأراملَهم، واجعل لهم أرزاقًا من بيت المال اقتداءً بأمير المؤمنين أعزّه الله، في العَطْف عليهم، والصلة لهم، ليصلح الله بذلك عيشُهم ويرزقك به بركة وزيادة. وأجْرِ للأضرّاء من بيت المال، وقدّم حَملة القرآن منهم والحافظين لأكثره في الجراية على غيرهم، وانصب لمرضى المسلمين دورًا تؤويهم، وقُوَّامًا يرفقون بهم، وأطباء يعالجون أسقامهم، وأسعفهم بشهواتهم ما لم يؤدّ ذلك إلى سرف في بيت المال. واعلم أنّ الناس إذا أعطُوا حقوقَهم وأفضل أمانيهم لم يرضهم ذلك، ولم تطِب أنفسهم دون رفع حوائجهم إلى وُلاتهم طمعًا في نيل الزيادة، وفضل الرفق منهم، وربما برِم المتصفح لأمور الناس لكثرة ما يرد عليه، ويشغل فكره وذهنه منها ما يناله به مؤنة ومشقة؛ وليس مَنْ يرغب في العدل، ويعرف محاسن أموره في العاجل وفضل ثواب الآجل؛ كالذي يستقبل ما يقرّبه إلى الله، ويلتمس رحمته به. وأكثر الإذن للناس عليك، وأبرز لهم وجهَك، وسكِّنْ لهم أحراسك، واخفض لهم جناحك، وأظهر لهم بشْرَك، ولنْ لهم في المسألة والمنطق، واعطف عليهم بجودك وفَضْلك؛ وإذا أَعطيتَ فأعْطِ بسماحة وطيب نفس، والتمس الصنيعة والأجر غيرَ مكدّر ولا منّان؛ فإن العطيّة على ذلك تجارة مربحة إن شاء الله.
واعتبر بما ترى من أمور الدنيا، ومَن مضى من قَبْلك من أهل السلطان والرياسة في القرون الخالية والأمم البائدة؛ ثم اعتصم في أحوالك كلِّها بأمر الله، والوقوف عند محبَّته، والعمل بشريعته وسنته وإقامة دينه وكتابه؛ واجتنب ما فارق ذلك وخالفَه، ودعا إلى سخط الله. واعرف ما يَجمع عُمّالُك من الأموال وينفقون منها، ولا تجمعْ حرامًا، ولا تنفق إسرافًا، وأكثر مجالسة العلماء