ومشاورتَهم ومخالطتهم. وليكن هواك اتّباع السنن وإقامتها، وإيثار مكارم الأمور ومعاليها؛ وليكن أكرمُ دُخلائك وخاصّتك عليك مَنْ إذا رأى عيبًا فيك لم تمنعه هيبتُك من إنهاء ذلك إليك في سرّ، وإعلامك ما فيه من النقص؛ فإن أولئك أنصحُ أوليائك ومظاهريك.
وانظر عمّالك الذين بحضرتك وكتَّابَك؛ فوقّتْ لكل رجل منهم في كلِّ يوم وقتًا يدخل عليك فيه بكتبه ومؤامرته، وما عنده من حوائج عملك، وأمر كُورك ورعيتك، ثم فرّغ لما يورده عليك من ذلك سمعك وبصرك وفهمك وعقلك، وكرّر النظر إليه والتدبير له؛ فما كان موافقًا للحزم والحق فامضه واستخر الله فيه، وما كان مخالفًا لذلك فاصرفه إلى التثبّت فيه، والمسألة عنه.
ولا تمنن على رعيتك ولا على غيرهم بمعروف تأتيه إليهم، ولا تقبل من أحد منهم إلّا الوفاء والاستقامة والعوْن في أمور أمير المؤمنين، ولا تَضَعنّ المعروف إلّا على ذلك.
وتفهم كتابي إليك، وأكثر النظر فيه والعمل به، واستعن بالله على جميع أمورك واستخره، فإن الله مع الصلاح وأهله؛ وليكن أعظم سيرتك وأفضل رغبتك ما كان لله رضًا ولدينه نظامًا، ولأهله عزًّا وتمكينًا؛ وللذمة والملة عدلًا وصلاحًا.
وأنا أسأل الله أن يحسن عونك وتوفيقك ورشدك وكلاءك، وأن يُنزل عليك فضله ورحمتَه بتمام فضله عليك وكرامته لك؛ حتى يجعلك أفضَل مثالك نصيبًا، وأوفرهم حظًّا، وأسناهم ذكرًا، وأمرًا، وأن يهلك عدوّك ومَنْ ناوأك وبغى عليك، ويرزقك من رعيّتك العافية، ويحجز الشّيطان عنك وساوسه، حتى يستعلى أمرُك بالعزّ والقوّة والتوفيق، إنه قريب مجيب.
* * *
وذكر أن طاهرًا لما عهد إلى ابنه عبد الله هذا العهد تنازعه الناس وكتبوه، وتدارسوه وشاع أمره؛ حتى بلغ المأمون فدعا به وقرئ عليه، فقال: ما بقَّى أبو الطّيب شيئًا من أمر الدين والدنيا والتدبير والرأي والسياسة وإصلاح الملك والرعيّة وحفظ البَيْضة وطاعة الخلفاء وتقويم الخلافة إلّا وقد أحكَمه، وأوصى