للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأتيت نصْرًا وهو بكفر عَزُون بسَروج، فأبلغته رسالتَه، فأذعن وشرط شروطًا، منها ألا يطأ له بساطًا. قال: فأتيتُ المأمون فأخبرته، فقال: لا أجيبه والله إلى هذا أبدًا، ولو أفضيت إلى بيع قميصي حتى يطأ بساطي؛ وما باله ينفر منّي! قال: قلتُ لجرْمه وما تقدّم منه. فقال: أتراه أعظم جُرْمًا عندي من الفضل بن الربيع ومن عيسى بن أبي خالد! أتدري ما صنع بي الفضل! أخذ قوّادي وجنودي وسلاحي وجميع ما أوْصى به لي أبي. فذهب به إلى محمد وتركني بمروْ وحيدًا فريدًا وأسلمني، وأفسد عليّ أخي؛ حتى كان من أمره ما كان؛ وكان أشدّ عليّ من كل شيء. أتدري ما صنع بي عيسى بن أبي خالد! طرد خليفتي من مدينتي ومدينة آبائي، وذهب بخراجي وفيئي، وأخرب عليّ دياري، وأقعد إبراهيم خليفة دوني، ودعاه باسمي. قال: قلت: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في الكلام فأتكلم؟ قال: تكلم، قلتُ: الفضل بن الربيع رضيعكم ومولاكم، وحال سلفه حالكم، وحال سلفكم حاله، ترجع عليه بضروب كلّها تردّك إليه، وأما عيسى بن أبي خالد فرجُلٌ من أهل دولتك، وسابقتُه وسابقة مَنْ مضى من سلفه سابقتهم ترجع عليه بذلك؛ وهذا رجل لم تكن له يد قطّ فيُحْملُ عليها، ولا من مضى من سلفه؛ إنما كانوا من جند بني أمية. قال: إن كان ذلك كما تقول، فكيف بالحَنَق والغيظ؛ ولكني لستُ أقلع عنه حتى يطأ بساطي، قال: فأتيت نصرًا فأخبرته بذلك كلّه، قال: فصاح بالخيل صيحة فجالت، ثم قال: ويلي عليه! هو لم يقْوَ على أربعمائة ضفدع تحت جناحه - يعني الزّط - يقوى على حَلْبة العرب!

فذُكر أن عبد الله بن طاهر لما جادّه القتال وحصره وبلغ منه، طلب الأمان فأعطاه، وتحوّل من معسكره إلى الرّقّة سنة تسع ومائتين، وصار إلى عبد الله بن طاهر، وكان المأمون قد كتب إليه قبل ذلك بعد أن هزم عبد الله بن طاهر جيوشَه كتابًا يدعوه إلى طاعته ومفارقة معصيته، فلم يقبل، فكتب عبد الله إليه - وكان كتاب المأمون إليه من المأمون كتبه عمرو بن مسعدة:

أما بعد؛ فإنك يا نصر بن شبَث قد عرفتَ الطاعة وعزّها وبَرْد ظلِّها وطيب مَرْتعها وما في خلافها من النّدم والخَسار، وإن طالت مدّة الله بك، فإنه إنما يُملى من يلتمس مظاهرة الحجّة عليه لتقع عبَرُه بأهلها على قَدْر إصرارهم

<<  <  ج: ص:  >  >>