واستحقاقهم. وقد رأيتُ إذكارَك وتبصيرك لما رجوتُ أن يكون لما أكتب به إليك موقع منك؛ فإنّ الصدق صدق والباطل باطل؛ وإنما القول بمخارجه وبأهله الذين يُعنَوْن به، ولم يعاملك من عمّال أمير المؤمنين أحد أنفع لك في مالك ودينك ونفسك، ولا أحرصَ على استنقاذك والانتياش لك من خطائك مني، فبأيّ أوّل أو آخر أو سِطَةٍ أو إمْرة إقدامُك يا نصر على أمير المؤمنين! تأخذ أموالَه، وتتولى دونه ما ولّاه الله، وتريد أن تبيت آمنًا أو مطمئنًا، أو وادعًا أو ساكنًا أو هادئًا! فوَعالِمِ السرّ والجهرِ، لئن لم تكن للطاعة مراجعًا وبها خانعًا، لتستوبلنّ وخَمَ العاقبة؛ ثم لأبدأنَّ بك قبل كلّ عمل، فإنّ قرون الشيطان إذا لم تُقطَع كانت في الأرض فتنة وفسادًا كبيرًا، ولأطأنَّ بمن معي من أنصار الدولة كواهلَ رعاع أصحابك، ومَنْ تأشَّب إليك من أداني البلدان وأقاصيها وطَغامها وأوباشها، ومَن انضوى إلى حوْزتك من خُرّاب الناس، ومن لفظه بلدهُ، ونفته عشيرته؛ لسوء موضعه فيهم. وقد أعذَرَ من أنذَر. والسلام.
وكان مقام عبد الله بن طاهر على نصر بن شبَث محاربًا له - فيما ذكر - خمس سنين حتى طلب الأمان؛ فكتب عبد الله إلى المأمون يعلمه أنه حصره وضيّقَ عليه، وقتل رؤساء مَنْ معه، وأنه قد عاذ بالأمان وطلبه، فأمره أن يكتب له كتاب أمان، فكتب إليه، أمانًا نسختُه:
بسم الله الرحمن الرحيم:
أما بعد؛ فإنّ الإعذار بالحقّ حجة الله المقرون بها النصر، والاحتجاج بالعدل دعوة الله الموصول بها العزّ؛ ولا يزال المعذِر بالحق، المحتجّ بالعدل في استفتاح أبواب التأييد، واستدعاء أسباب التمكين؛ حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين، ويمكّن وهو خير الممكّنين؛ ولستَ تعدو أن تكون فيما لهجتَ به أحد ثلاثة: طالب دين، أو ملتمس دنيا، أو متهوّرًا يطلبُ الغَلَبة ظلمًا؛ فإن كنت للدين تسعى بما تصنع، فأوضح ذلك لأمير المؤمنين يغتنم قبوله إن كان حقًّا، فلعمري ما همّته الكبرى، ولا غايته القصوى إلّا الميل مع الحقّ حيث مال، والزوال مع العدل حيث زال؛ وإن كنت للدنيا تقصد، فأعلم أمير المؤمنين غايتَك فيها؛ والأمر الذي تستحقها به؛ فإن استحققتها وأمكنه ذلك فعلَه بك.