وسأل حمدونة بنت غَضيض عن مقدار ما أنفقت في ذلك الأمر. قال: فقالت حمدونة: أنفقتُ خمسة وعشرين ألف ألف، قال: فقالت أم جعفر: ما صنعتِ شيئًا، قد أنفقت ما بين خمسة وثلاثين ألف ألف إلى سمبعة وثلاثين ألف ألف درهم. قال: وأعددنا له شمعتين من عَنبر، قال: فدخل بها ليلًا، فأوقدتا بين يديه، فكثر دخانهما، فقال: ارفعوهما قد أذانا الدّخان، وهاتوا الشمع. قال: ونحلتْها أمّ جعفر في ذلك اليوم الصلح قال: فكان سبب عود الصِّلح إلى مُلكي، وكانت قبل ذلك لي، فدخل عليّ يومًا حُميد الطوسيّ فأقرأني أربعة أبيات امتدح بها ذا الرياستين، فقلت له: ننفذها لك ذي الرّياستين، وأقطعك الصِّلح في العاجل إلى أن تأتيَ مكافأتك من قبَله. فأقطعته إياها، ثم ردَّها المأمون على أمّ جعفر فنحلتْها بُوران.
وروى عليُّ بن الحسين أنّ الحسن بن سهل كان لا ترفع السُّتور عنه، ولا يرفع الشَّمع من بين يديه حتى تطلع الشمس ويتبيّنها إذَا نظر إليها. وكان متطيّرًا يحبّ أن يقال له إذا دخل عليه: انصرفنا من فرح وسرور، ويكره أن يذكر له جنازة أو موت أحد. قال: ودخلتُ عليه يومًا فقال له قائل: إن عليّ بن الحسين أدخل ابنه الحسن اليوم الكتّاب، قال: فدعا لي وانصرفت، فوجدت في منزلي عشرين ألف درهم هبة للحسن وكتابًا بعشرين ألف درهم. قال: وكان قد وهب لي من أرضه بالبصرة ما قوّم بخمسين ألف دينار، فقبضه عنّي بُغا الكبير، وأضافه إلى أرضه.
وذكر عن أبي حسان الزياديّ أنه قال: لما صار المأمون إلى الحسن بن سهل، أقام عنده أيامًا بَعد البناء ببُوران، وكان مقامه في مسيرِه وذهابه ورجوعه أربعين يومًا. ودخل إلى بغداد يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة خلتْ (١) من شوال.
وذكر عن محمد بن مُوسى الخُوارزميّ أنه قال: خرج المأمون نحو الحسن بن
(١) أبو حسان الزيادي عالم فاضل وأخباري (تأريخ بغداد/ ٧/ ٣٥٧) ثقة توفي سنة ٢٤٢ هـ وعاصر هذه الأحداث وانظر الخبر الآتي.