نسمع، وعلم ما لم نعلم، وقد قلّده الله أمرنا، فصار يقيم حجنا وصلاتنا، ونؤدي إليه زكاة أموالنا، ونجاهد معه، ونرى إمامته إمامةً، إن أمرَنا ائتمرنا، وإن نهانا انتهينا، وإن دعانا أجبنا. قال: القرآن مخلوق هو؟ فأعاد عليه أبو حسان مقالته، قال: إن هذه مقالة أمير المؤمنين، قال: قد تكونُ مقالة أمير المؤمنين ولا يأمرُ بها الناس ولا يدعوهم إليها؛ وإن أخبرتَني أن أمير المؤمنين أمرَك أن أقول، قلتُ ما أمرتَني به؛ فإنك الثقة المأمون فيما أبلغتَني عنه من شيء؛ فإن أبلغتَني عنه بشيء صرت إليه، قال: ما أمرني أن أبلغك شيئًا. قال عليّ بن أبي مقاتل: قد يكون قولُه كاختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفرائض والمواريث، ولم يحملوا الناس عليها، قال له أبو حسان: ما عندي إلا السمع والطاعة، فمرني آتمر، قال: ما أمرني أن آمرك؛ وإنما أمرني أن أمتحنَك.
ثم عاد إلى أحمد بن حنبل، فقال له: ما تقول في القرآن؟ قال: هو كلام الله، قال: أمخلوق هو؟ قال: هو كلام الله لا أزيد عليها، فامتحنَه بما في الرّقعة، فلما أتى على {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، قال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وأمسك عن لا يشبهه شيء من خلقه في معنى من المعاني، ولا وجه من الوجوه، فاعترض عليه ابن البكَّاء الأصغر، فقال: أصلحك الله! إنه يقول: سميع من أذن، بصير من عين، فقال إسحاق لأحمد بن حنبل: ما معنى قوله: {سَمِيعٌ بَصِيرٌ}؟ قال: هو كما وصف نفسه، قال: فما معناه؟ قال: لا أدري، هو كما وصف نفسه.
ثم دعا بهم رجلا رجلا، كلهم يقول: القرآن كلام الله، إلا هؤلاء النفر: قتيبة وعبيد الله بن محمد بن الحسن وابنُ علَيّة الأكبر وابن البكّاء وعبد المنعم بن إدريس ابن بنت وهب بن منبّه والمظفّرين مُرَجّأ، ورجلا ضريرًا ليس من أهل الفقه، ولا يعرَف بشيء منه، إلا أنه دُسّ في ذلك الموضع، ورجلا من ولد عمر بن الخطاب قاضي الرّقة، وابن الأحمر، فأما ابنُ البكاء الأكبر فإنه قال: القرآن مجعول لقول الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} والقرآن محدَث لقوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} قال له إسحاق: فالمجعول مخلوق؟ قال: نعم، قال: فالقرآن مخلوق؟ قال: لا أقول مخلوق، ولكنه مجعول؛ فكتب مقالته.