فلمّا فرغ من امتحان القوم، وكتب مقالاتهم اعترض ابن البكَّاء الأصغر، فقال: أصلحك الله! إنَّ هذين القاضيين أئمة، فلو أمرتَهما فأعادا الكلام! قال له إسحاق: هما ممّن يقوم بحجة أمير المؤمنين، قال: فلو أمرتَهما أن يُسمعانا مقالتهما، لنحكي ذلك عنهما! قال له إسحاق: إنْ شهدت عندهما بشهادة، فستعلم مقالتهما إن شاء الله.
فكتب مقالة القوم رجلًا رجلًا، ووُجّهت إلى المأمون، فمكث القوم تسعة أيام؛ ثم دعا بهم وقد ورد كتاب المأمون جواب كتاب إسحاق بن إبراهيم في أمرهم، ونسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد؛ فقد بلغ أميرَ المؤمنين كتابُك جواب كتابه كان إليك، فيما ذهب إليه متصنّعةُ أهل القبْلة وملتمسو الرّئاسة، فيما ليسوا له بأهل من أهل الملة من القول في القرآن، وأمرك به أمير المؤمنين من امتحانهم، وتكشيف أحوالهم وإحلالهم محالَّهم. تذكر إحضارك جعفر بن عيسى وعبد الرحمن بن إسحاق عند ورود كتاب أمير المؤمنين مع من أحضرت ممّن كان ينسب إلى الفقه، ويعرف بالجلوس للحديث، وينصب نفسه للفُتْيا بمدينة السلام، وقراءتك عليهم جميعًا كتابَ أمير المؤمنين، ومسألتك إياهم عن اعتقادهم في القرآن، والدلالة لهم على حظِّهم، وإطباقهم على نفي التشبيه واختلافهم في القرآن، وأمرك مَنْ لم يقل منهم إنه مخلوق الإمساك عن الحديث والفتوى في السرّ والعلانية، وتقدّمك إلى السنديّ وعباس مولى أمير المؤمنين بما تقدّمت به فيهم إلى القاضييْن بمثل ما مثّل لك أمير المؤمنين من امتحان مَنْ يحضر مجالسهما من الشهود، وبثّ الكتب إلى القضاة في النواحي من عملك بالقدوم عليك، لتحملهم وتمتحنهم على ما حدّه أميرُ المؤمنين، وتثبيتك في آخر الكتاب أسماءَ مَنْ حضر ومقالاتهم، وفهم أمير المؤمنين ما اقتصصتَ.
وأمير المؤمنين يحمَد الله كثيرًا كما هو أهله، ويسأله أن يصلِّيَ على عبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويرغبُ إلى الله في التوفيق لطاعته، وحسن المعونة على صالح نيّته برحمته. وقد تدبّر أميرُ المؤمنين ما كتبتَ به من أسماء مَنْ سألت عن القرآن، وما رجع إليه فيه كلّ امرئ منهم، وما شرحت من مقالتهم.
فأمّا ما قال المغرور بشر بن الوليد في نفي التشبيه، وما أمسك عنه من أنّ