فإِذا ولَّى أَبو دُلَفٍ ... وَلَّتِ الدّنيا على أَثَرِهْ
وإلى قولي فيك:
لولا حميدٌ لم يكُنْ ... حسبٌ يُعَدُّ ولا نَسَبْ
يا واحِدَ العَربِ الَّذي ... عَزَّتْ بعِزَّته العربْ
قال: فأطرق حُميد ساعة، ثم قال: يا أبا الحسن، لقد انتقد عليك أمير المؤمنين. وأمر لي بعشرة آلاف درهم وحُملان وخلعة وخادم، وبلغ ذلك أبا دُلَف فأضعف لي العطية، وكان ذلك منهما في سترٍ لم يعلم به أحد إلى أن حدّثتك يا أبا نزار بهذا (١).
قال أبو نزار: وظننتُ أنّ المأمون تعقّد عليه هذا البيت في أبي دُلَف:
تحَدَّرَ ماءُ الجُودِ من صُلبِ آدمٍ ... فأَثبتَهُ الرَّحمَنُ في صلب قاسِمِ
وذُكر عن سليمان بن رَزين الخزاعيّ، ابن أخي دعْبل، قال: هجا دعْبل المأمونَ، فقال:
ويَسُومُني المأْمُونُ خَطَّةَ عارِفٍ ... أَوَ مَا رأى بالأَمسِ رأْسَ محمدِ
يُوفِي على هامِ الخلائفِ مثلَ مَا ... يُودي الجبالُ على رؤوسِ القَرددِ
وَيَحِلُّ في أكنافِ كلِّ ممنَّعٍ ... حتى يُذَلّلَ شاهِقًا لم يُصْعَدِ
إنَّ التِّراتِ مُسَهَّدٌ طُلَّابُها ... فاكففْ لُعَابكَ عن لعابِ الأَسودِ
فقيل للمأمون: إن دعْبلا هجاك، فقال: هو يهجو أبا عبّاد لا يهجوني. يريد حدّة أبي عبّاد، وكان أبو عبّاد إذا دخل على المأمون كثيرًا ما يضحك المأمون، ويقول له: ما أراد دِعبل منك حين يقول:
وكأَنَّه من دَيرِ هِزْقِلَ مفلِتٌ ... حَرِدٌ يجُرُّ سلاسلَ الأَقياد
(١) الغريب في هذه الأخبار التي أوردها ابن جرير الطبري عن سيرة المأمون هي أنها في جلّها من طريق شعراء وبعضهم عرف بمجونه ولم يفعل ذلك آنفًا عند ذكره لسير بقية الخلفاء ولعله أراد بذلك أن يثبت قوة ملكته الشعرية ولكن تركيزه هذا على الجانب الثقافي من حياة المأمون أثر في بقية الجوانب من سيرته فأهملها وأما أبو نزار الضرير فهو شاعر كما ترى وكذلك شيخه علي بن جبلة الأنباري من أبناء الشيعة الخراسانية ببغداد وهو شاعر مداح ضرير كذلك استنفذ شعره في مدح أبي دلف.