للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطفيليّ على مثل هذه الحال. فأرسل إليه المأمون: دخولُك في هذا الوقت متعذّر، فاخترْ لنفسك مَنْ أحببت تنادمه، فقال: ما أرى لنفسي اختيارًا غير عبد الله بن طاهر، فقال له المأمون: قد وقع اختياره عليك، فصِرْ إليه، قال: يا أميرَ المؤمنين، فأكونُ شريك الطفيليّ! قال: ما يمكن رَدّ أبي محمد عن أمرين؛ فإن أحببت أن تخرج، وإلّا فافتد نفسك، قال: فقال: يا أميرَ المؤمنين، له عليّ عشرة آلاف درهم، قال: لا أحسب ذلك يقنعه منك ومن مجالستك، قال: فلم يزل يزيدُه عشرة عشرة، والمأمون يقول له: لا أرضى له بذلك، حتى بلغ المائة ألف. قال؛ فقال له المأمون: فعجّلْها له، قال: فكتب له بها إلى وكيلِه، ووجّه معه رسولًا، فأرسل إليه المأمون: قبض هذه في الحال أصلحُ لك من منادمته على مثل حاله، وأنفع عاقبة.

وذُكر عن محمد بن عبد الله صاحب المراكب قال: أخبرَني أبي عن صالح بن الرشيد، قال: دخلتُ على المأمون، ومعي بيتَان للحسين بن الضحّاك، فقلت: يا أميرَ المؤمنين، أحبّ أن تسمع منِّي بيتين، قال: أنشدهما، قال: فأنشده صالح:

حَمِدْنا الله شكرًا إذ حَبَانا ... بِنَصْرِكَ يا أَميرَ المؤمِنينَا

فأَنتَ خليفةُ الرَّحْمَنِ حَقًّا ... جَمَعْتَ سَماحةً وجَمعتَ دينا

فاستحسنهما المأمون، وقال: لمن هذان البيتان يا صالح؟ قلت: لعبدك يا أمير المؤمنين الحسين بن الضحاك، قال: قد أحسن، قلت: وله يا أمير المؤمنين ما هو أجود من هذا، قال: وما هو؟ فأنشدته:

أَيَبْخَلُ فردُ الحُسنِ فرْدُ صفاتِه ... عليَّ، وقد أَفردْتُه بهوىً فَرْدِ!

رَأَى اللهُ عبدَ اللهِ خيرَ عِبَادِهِ ... فَمَلَّكَهُ واللهُ أَعلمُ بالعبدِ (١)

وذُكر عن عُمارة بن عَقيل، أنه قال: قال لي عبد الله بن أبي السّمط: علمت أنّ المأمون لا يبصر الشعر، قال: قلت: ومَنْ ذا يكون أعلم منه! فولله إنك لترانا ننشده أوّلَ البيت فيسبِقنا إلى آخره، قال: أنشدته بيتا أجدتُ فيه، فلم أره تحرّك


(١) لم نتبيّن من هو محمد بن عبد الله الذي روى عن أبيه ولم يبين الطبري كنيته ولا نسبه ولا لقبه، وأما صاحب البيتين الحسين بن الضحاك فهو شاعر ماجن كما سنذكر بعد قليل فقد جاء ذكره في أخبار الأمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>