قال: فقلت له: إنك والله ما صنعت شيئًا، وهل زِدتَ على أن جعلته عجوزًا في محْرابها، في يدها سُبحتها! فمن القائمُ بأمر الدنيا إذا تشاغل عنها، وهو المطوّق بها! هلّا قلتَ فيه كما قال عمّك جرير في عبد العزيز بن الوليد:
وذُكر عن محمد بن إبراهيم السَّيّاريّ قال: لما قدِم العتابيّ على المأمون مدينة السلام أذن له، فدخل عليه، وعنده إسحاق بن إبراهيم الموصلّي - وكان شيخًا جليلًا - فسلّم عليه، فردّ عليه السلام، وأدناه وقرّبه حتى قرُب منه، فقبّل يده، ثم أمره بالجلوس فجلس، وأقبل عليه يسائله عن حاله، فجعل يجيبه بلسانٍ طلْق؛ فاستَطرف المأمون ذلك. فأقبل عليه بالمداعبة والمُزاح، فظنّ الشيخ أنه استخفّ به، فقال: يا أميرَ المؤمنين، الإبساس قبل الإيناس قال: فاشتبه على المأمون الإبساس، فنظر إلى إسحاق بن إبراهيم، ثم قال: نعم، يا غلام ألف دينار؛ فأتِيَ بها، ثم صبّت بين يدي العتابيّ، ثم أخذوا في المفاوضة والحديث، وغمز عليه إسحاق بن إبراهيم، فأقبل لا يأخذ العتابيّ في شيء إلّا عارضه إسحاق بأكثر منه، فبقيَ متعجبًا، ثم قال: يا أمير المؤمنين، إيذن لي في مسألة هذا الشيخ عن اسمه، قال: نعم، سله، قال: يا شيخ، مَنْ أنت؟ وما اسمك؟ قال: أنا من الناس، واسمي كلْ بصل، قال: أما بالنسبة فمعروفة، وأما الاسم فمنكر، وما كلْ بَصَل من الأسماء؟ فقال: له إسحاق: ما أقلَّ إنصافك! وما كلْ ثوم من الأسماء! البصل أطيب من الثوم، فقال العتابيّ: لله درّك! ما أحجّك! يا أمير المؤمنين ما رأيت كالشيخ قط أتأذن لي في صلته بما وصلني به أمير المؤمنين فقد والله غلبني! فقال المأمون: بل هذا موفَّرٌ عليك؛ ونأمر له بمثله، فقال له إسحاق: أما إذا أقررت بهذه فتوهَّمْني تجدْني، فقال: والله ما أظنّك إلا الشيخ الذي يتناهَى إلينا خبره من العراق؛ ويعرف بابن الموصلّي! قال: أنا حيث ظننتَ، فأقبل عليه بالتحيّة والسلام، فقال المأمون وقد طال الحديث بينهما: أما إذ اتفقتما على الصلح والمودة، فقوما فانصرفا