فحدثني إبراهيم بن جهروَيْه أن إبراهيم المعروف بالهفْتِي - وكان مضحكًا - أمر له المعتصم بمال، وتقدَّمَ إلى الفضل بن مروان في إعطائه ذلك، فلم يعطهِ الفضل ما أمر بهِ المعتصم؛ فبينا الهَفْتَي يومًا عند المعتصم، بعد ما بُنيت له داره التي ببغداد، واتُّخذ له فيها بستان، قام المعتصم يتمشَّى في البستان ينظر إليه وإلى ما فيهِ من أنواعِ الرَّياحينِ والغُروس، ومعهُ الهفتي، وكان الهفتي يصحب المعتصم قبل أن تُفضي الخِلافةُ إليهِ، فيقول فيما يداعبه: واللهِ لا تفلح أبدًا! قال: وكان الهفتي رجلًا مربوعًا ذا كُدنة، والمعتصم رجلًا معرَّقًا خفيف اللحم، فجعل المعتصم يسبقُ الهفتيَّ في المشي، فإذا تقدمهُ ولم ير الهفتي معه التفتَ إليهِ، فقال: ما لكَ لا تمشي! يستعجله المعتصم في المشي ليلحق بهِ؛ فلما كثر ذلكَ من أمر المعتصم على الهَفْتي، قال لهُ الهفتي، مداعبًا لهُ: كنتُ أصلحكَ الله، أراني أماشي خليفة؛ ولم أكن أراني أماشي فَيْجًا، واللهُ لا أفلحت! فضحكَ منها المعتصم، وقال: ويلكَ! هل بقيَ من الفلاحِ شيءٌ لم أدركهُ! أبعدَ الخلافةِ تقول هذا لي! فقال له الهفتي: أتحسب أنكَ قد أفلحتَ الآنَ إنما لكَ من الخِلافةِ الاسم؛ واللهِ ما يجاوز أمركَ أذُنيكَ؛ وإنما الخليفة الفَضْل بن مروان، الذي يأمر فينفذُ أمرهُ من ساعته، فقال له المعتصم: وأيُّ أمرٍ لي لا ينفذَ! ؟ فقال له الهفتي: أمرتَ لي بكذا وكذا منذ شهرين؛ فما أُعطِيتُ مما أمرتَ به منذ ذاكَ حبة! .
قال: فاحتجنَها على الفضل المعتصم حتى أوقع به.
فقيل: إن أوَّلَ ما أحدثه في أمرهِ حين تغير لهُ أن صيَّرَ أحمدَ بن عمار الخُراساني زمامًا عليه في نفقات الخاصة، ونصر بن منصور بن بسام زمامًا عليهِ في الخراج وجميع الأعمال؛ فلم يزل كذلك؛ وكان محمد بن عبد الملك الزيَّات يتولَّى ما كان أبوه يتولَّاه للمأمون من عمل المشمّس والفساطيط وآلة الجمَّازات ويكتب على ذلكَ مما جرى على يدي محمد بن عبد الملك، وكانَ يلبس إذا حضر الدار دُراعة سوداء وسيفًا بحمائل، فقال له الفضل بن مروان: إنما أنت تاجر، فما لكَ وللسواد والسيف! فتركَ ذلكَ محمد، فلما تركهُ أخذه الفضل برفع حسابه إلى دُليل بن يعقوب النصراني، فرفعه، فأحسن دُلَيل في أمره؛ ولم يرزأهُ شيئًا، وعرض عليه محمد هدايا، فأبى دُليل أن يقبل منها شيئًا، فلما