وكان الأفشين يقف بخاراخذاه يحفظ هذه العقبة التي وجه بابك عسكرهُ إليها ليأخذها على الأفشين، وكان بُخاراخذاه يقف بها أبدًا، ما دام الأفشين داخل البذ على الرَّكوة، وكان الأفشين يتقدم إلى بخاراخذاه أن يقف على وادٍ فيما بينه وبين البذّ شبه الخندق.
كان يأمرُ أبا سعيد محمد بن يوسف أن يعبُرَ ذلكَ الوادي في كُردوس من أصحابهِ، ويأمر جعفرًا الخياط أن يقفَ في كُردوس من أصحابهِ، ويأمر أحمد بن الخليل فيقف في كردوس آخر؛ فيصير في جانب ذلكَ الوادي ثلاثة كراديس في طرف أبياتهم؛ وكان بابك يُخرج عسكرًا مع آذين، فيقف على تل بإزاء هؤلاء الثلاثة الكراديس خارجًا من البذ لئلا يتقدم أحد من عساكر الأفشين إلى باب البذ. وكان الأفشين يقصد إلى باب البذ، ويأمرهم إذا عبروا بالوقوف فقط، وترك المحاربة، وكان بابك إذا أحسَّ بعساكر الأفشين أنها قد تحركت من الخندق تريده فرَّق أصحابه كمناء؛ ولم يبقَ معه إلا نُفير يسيرًا؛ وبلغ ذلكَ الأفشين، ولم يكن يعرف المواضع التي يكمنُونَ فيها. ثم أتاه الخبر بأن الخرّمية قد خرجوا جميعًا، ولم يبقَ مع بابك إلا شرذمة من أصحابه. وكان الأفشين إذا صعد إلى ذلك الموضع بُسط له نِطَع، ووُضع له كرسي، وجلس على تل مشرف يُشرف على باب قصر بابك، والناس كراديس وقوف، مَنْ كان معه من جانب الوادي هذا أمره بالنزول عن دابته، ومَنْ كانَ من ذاكَ الجانب مع أبي سعيد وجعفر الخياط وأصحابهُ وأحمد بن الخليل لم يُنزل لقربه من العدوِّ؛ فهم وقوف على ظهور دوابهم؛ ويفرق رجَّالته الكوهبانية ليفتشوا الأودية؛ طمع أن يقع على مواضع الكمناء فيعرفها. فكانت هذه حالته في التفتيش إلى بعد الظهر، والخُرّمية بين يدي بابك يشربون النبيذ، ويزمُرون بالسُّرنيايات، ويضربون بالطبول؛ حتى إذا صلى الأفشين الظهر؛ تقدم فانحدر إلى خندق بروذ الروذ؛ فكان أول من ينحدر أبو سعيد ثم أحمد بن الخليل ثم جعفر بن دينار، ثم ينصرف الأفشين، وكان مجيئهُ ذلكَ مما يغبط بابك، وانصرافه، فإذا دنا الانصراف، ضربوا بصنوجهم، ونفخوا بُوقاتهم استهزاء، ولا يبرح بخاراخذاه من العقبة التي هو عليها؛ حتى تجوزه الناسُ جميعًا، ثم ينصرفُ في آثارهم؛ فلما كان في بعض