للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيامهم ضجرت الخُرّمية من المعادلة والتفتيش الذي كان يفتش عليهم، فانصرف الأفشين كعادتهِ، وانصرفت الكراديسُ أولًا فأولًا، وعبر أبو سعيد الوادي، وعبر أحمد بن خليل، وعبر بعض أصحاب جعفر الخياط، وفتح الخُرمية باب خندقهم، وخرج منهم عشرة فوارس، وحملوا على مَنْ بقي من أصحاب جعفر الخياط في ذلكَ الموضع، وارتفعت الضجةُ في العسكر، فرجعَ جعفر مع كُردوسٍ من أصحابه بنفسهِ، فحملَ على أولئكَ الفرسان حتى ردَّهم إلى باب البذ، ثم وقعت الضجَّةُ في العسكر، فرجع الأفشين وجعفر وأصحابه من ذلكَ الجانب يقاتلون؛ وقد خرج من أصحاب جعفر عدة، وخرج بابك بعدَّة فرسان، ولم يكن معهم رجَّالة؛ لا من أصحاب الأفشين ولا من أصحاب بابك؛ كان هؤلاء يحملون، وهؤلاء يحملون، فوقعت بينهم جراحات، ورجع الأفشين حتى طُرحَ له النطع والكرسي، فجلس في موضعهِ الذي كانَ يجلس فيه، وهو يتلظَّى على جعفر، ويقول: قد أفسد علي تعبيتي وما أريد.

وارتفعت الضجة، وكان مع أبي دُلف في كردوس قوم من المطَّوّعة من أهل البصرة وغيرهم؛ فلما نظروا إلى جعفر يحارب، انحدر أولئكَ المطوّعة بغير أمر الأفشين، وعبروا إلى ذلكَ جانب الوادي، حتى صاروا إلى جانب البذ؛ فتعلقوا به وأثَّروا فيهِ آثارًا؛ وكادوا يصعدونهُ فيدخلون البذّ، ووجه جعفر إلى الأفشين: أن أمدَّني بخمسمائة راجل من الناشبة، فماني أرجو أن أدخل البذَّ إن شاء الله؛ ولست أرى في وجهي كثير أحد إلَّا هذا الكُردوس الذي تَراهُ أنتَ فقط - يعني كردوس آذين - فبعثَ إليه الأفشين أن قد أفسدتَ عليَّ أمري، فتخلَّص قليلًا قليلًا، وخلِّص أصحابك وانصرف، وارتفعت الضجة من المطوعة حين تعلَّقوا بالبذ، وظنَّ الكُمناء الذين أخرجهم بابك أنها حرب قد اشتبكت، فنعروا ووثبوا من تحت عسكر بُخاراخذاه، ووثب كمين آخر من وراء الرَّكوة التي كان الأفشين يقعد عليها، فتحرَّكت الخُرّمية، والناس وقوف على رؤوسهم لم يزُل منهم أحد؛ فقال الأفشين: الحمدُ لله الذي بيَّنَ لنا مواضع هؤلاء.

ثم انصرف جعفر وأصحابه والمطوّعة، فجاء جعفر إلى الأفشين؛ فقال له: إنما وجّهني سيدي أمير المؤمنين إلى الحرب التي ترى، ولم يوجهني للقعود ها هنا، وقد قطعتَ بي في موضع حاجتي ما كان يكفيني إلا خمسمائة راجل حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>