في العلوفة والأزواد والنفقات، فقال لهم: مَنْ صبرَ منكم فليصبر، ومَنْ لم يصبر فالطريق واسع فلينصرف بسلام، معي جند أمير المؤمنين، ومن هو في أرزاقهِ يقيمون معي في الحرِّ والبرد، ولست أبرح من ها هنا حتى يسقطَ الثلج، فانصرف المطوّعةُ وهم يقولون: لو ترك الأفشين جعفرًا وتركنا لأخذنا البذ؛ هذا لا يَشتهي إلا المُماطلة؛ فبلغه ذلكَ وما كثر المطوّعة فيهِ، ويتناولونه بألسنتهم وأنه لا يحبُّ المناجزة، وإنَّما يُريد التطويل؛ حتى قال بعضهم إنه رأى في المنامِ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: قل للأفشين: إِن أنتَ حاربتَ هذا الرجل وجددت في أمره وإلا أمرتُ الجبال أن ترجمكَ بالحجارة: فتحدَّثَ الناسُ بذلكَ في العسكر علانية؛ كأنه مستور، فبعث الأفشين إلى رؤساء المطّوعة، فأحضرهم وقال لهم: أحب أن تُروني هذا الرجل، فإن الناس يرون في المنامِ أبوابًا؛ فأتوه بالرجل في جماعة من الناس، فسلَّمَ عليهِ، فقرَّبهُ وأدناه، وقال له: قُصّ علينا رؤياك، ولا تحتشم ولا تستحي؛ فإنما تؤدي. قال: رأيتُ كذا ورأيتُ كذا؛ فقال: اللهُ يعلمُ كلَّ شيء قبل كل أحد، وما أُريدَ بهذا الخَلْق. إن اللهَ تباركَ وتعالى لو أرادَ أن يأمرَ الجبال أن ترجمَ أحدًا لرجم الكافر، وكفانا مؤنته؛ كيف يرجمني حتى أكفيه مؤنة الكافر، كان يرجمه ولا يحتاجُ أن أقاتله أنا، وأنا أعلمُ أن الله عز وجل لا يخفى عليهِ خافية، فهو مطَّلعٌ على قلبي؛ وما أُريدُ بكم يا مساكين! فقال رجل من المطوعة من أهل الدين: يا أيها الأمير، لا تحرمنا شهادةً إن كانت قد حضرت؛ وإنما قصدنا وطلبنا ثواب الله ووجهه؛ فدعنا وحدنا حتى نتقدم بعد أن يكون بإذنك؛ فلعلَ الله أن يفتح علينا؛ فقال الأفشين: إني أرى نياتِكم حاضرة؛ وأحسب هذا الأمر يريدهُ الله، وهو خيرٌ إن شاء الله؛ وقد نشطتم ونشط الناس، واللهُ أعلم ما كانَ هذا رأيي؛ وقد حدث الساعة لمَّا سمعت من كلامكم، وأرجو أن يكونَ أراد هذا الأمر وهو خير؛ اعزموا على بركةِ اللهِ أيِّ يومٍ أحببتم حتى نناهضهم؛ ولا حَولَ ولا قوَّةَ إلا بالله! فخرج القوم مستبشرين فبشَّروا أصحابهم، فمن كان أراد أن ينصرف أقام، ومن كان في القرب وقد خرج مسيرة أيام فسمع بذلكَ رجع؛ ووعد الناس ليوم، وأمر الجند والفرسان والرَّجالة وجميع الناس بالأهبة، وأظهر أنه يريدُ الحرب لا محالة. وخرج الأفشين وحمل المال والزاد، ولم يبقَ في العسكر بغل إلَّا وُضعَ عليه محمل للجرحى، وأخرجَ معهُ المتطبّبين، وحمل الكعك والسَّويق وغير ذلك؛ وجميع ما يحتاجُ إليه، وزحف