الناسُ حتى صعدَ إلى البذِّ وخلَّفَ بخاراخذاه في موضعه الذي كان يخلِّفه عليه على العقبة، ثم طُرح النَّطع، ووُضعَ لهُ الكرسي، وجلس عليه كما كان يفعل، وقال لأبي دلف: قل للمطَّوعةِ: أي ناحية هي أسهل عليكم، فاقتصروا عليها. وقال لجعفر: العسكر كلُّه بين يديك، والناشبةُ والنفَّاطون؛ فإن أردتَ رجالًا دفعتُهم إليك؛ فخذ حاجتكَ وما تريدُ، واعزِم على بركةِ الله؛ فادنُ مِنْ أيِّ موضعٍ تريد. قال: أريدُ أن أقصد الموضع الذي كنتُ عليهِ، قال: امضِ إليهِ. ودعا أبا سعيد، فقال له: قف بين يديّ؛ أنت وجميعُ أصحابكَ، ولا يبرحنَّ منكم أحدٌ، ودعا أحمد بن الخليل فقال لهُ: قف أنتَ وأصحابكَ ها هنا، ودع جعفرًا يعبرُ وجميع مَنْ معهُ من الرجال؛ فإن أراد رجالًا أو فرسانًا أمددناهُ؛ ووجَّهنا بهم إليهِ؛ ووجهَ أبا دلف وأصحابه من المطّوعة؛ فانحدروا إلى الوادي، وصعدوا إلى حائط البذّ من الموضع الذي كانوا صعدوا عليه تلك المرَّة، وعلقوا بالحائط على حسب ما كان فعلوا ذلكَ اليوم؛ وحَمَل جعفر حملةً حتى ضرب باب البذّ؛ على حسب ما كان فعل تلك المرة الأولى؛ ووقف على الباب، وواقفه الكفرة ساعة صالحة؛ فوجَّه الأفشين برجل معه بدرة دنانير، وقال: اذهب إلى أصحاب جعفر، فقل: مَنْ تقدَّم، فاحثُ له ملء كفِّكَ، ودفع بَدْرة أخرى رجل من أصحابهِ، قال لهُ: اذهب إلى المطّوعة ومعكَ هذا المال وأطواق وأسورة؛ وقل لأبي دلف: كل من رأيتهُ محسنًا من المطّوعة وغيرهم فأعطه. ونادى صاحب الشراب، فقال: اذهب فتوسَّط الحرب معهم حتى أراكَ بعيني معكَ السويق والماء؛ لئلا يعطش القوم فيحتاجوا إلى الرجوع، وكذلكَ فعل بأصحاب جعفر في الماء والسويق، ودعا صاحب الكِلْغَريَّة، فقال له: مَنْ رأيته في وسط الحرب من المطّوعة في يدهِ فأس فله عندي خمسون درهمًا؛ ودفع إليهِ بَدْرة دراهم؛ وفعل مثل ذلكَ بأصحابِ جعفر، ووجه إليهم الكِلْغَريَّة بأيديهم الفؤوس، ووجه إلى جعفر بصندوق فيه أطواق وأسورة، فقال لهُ: ادفع إلى مَنْ أردتَ من أصحابكَ هذا سوى ما لهم عندي، وما تضمن لهم عليَّ من الزيادةِ في أرزاقهم والكتاب إلى أمير المؤمنين بأسمائهم، فاشتبكت الحرب على البابِ طويلًا، ثم فتح الخرميَّة الباب، وخرجوا على أصحاب جعفر، فنحّوهم عن الباب، وشدُّوا على المطّوعة من الناحية الأخرى؛ فأخذوا منهم علمينِ وطرحوهم عن السور، وجرحوهم بالصَّخرِ حتَّى أثَّروا فيهم، فرقّوا عن الحرب؛ ووقفوا، وصاح جعفر بأصحابهِ، فبدر