أن يتهيئوا في السلاح، فإنه يركب في السحر؛ فلما كان في بعض الليل، وجه بشيرًا التركي وقوَّادًا من الفراغنة كانوا معه؛ فأمرهم أن يسيروا حتى يصيروا تحت التل مع أسفل الوادي الذى حملوا منه الماء؛ وهو تحت الجبل الذي كان عليهِ آذين؛ وقد كان الأفشين علم أنَّ الكافر يكمنُ تحت ذلكَ الجبل كلَّما جاءه العسكر؛ فقصد بشير والفراغنة إلى ذلكَ الموضع الذي علم أن للخرَّمية فيه عسكرًا كامنين، فساروا في بعض الليل؛ ولا يعلم بهم أكثر أهل العسكر. ثم بعث للقؤَاد: تأهَّبوا للركوب في السلاح؛ فإن الأمير يغدو في السحر؛ فلما كان السَّحَر خرج وأخرج الناس، وأخرج النَّفاطين والنَّفاطات والشمع على حسب ما كان يخرج، فصلّى الغداةَ، وضرب الطبل، وركب حتى وافى الموضع الذي كان يقف فيهِ في كل مرة، وبُسط لهُ النطع، ووضع له الكرسي كعادته.
وكانَ بخاراخذاه يقف على العقبة التي كان يقف عليها في كلِّ يومٍ؛ لمَّا كانَ ذلكَ اليوم صيَّرَ بخاراخذاه في المقدمة مع أبي سعيد وجعفر الخياط وأحمد بن الخليل؛ فأنكر الناس هذه التعبية في ذلكَ الوقت، وأمرهم أن يدنوا من التل الذي عليه آذين؛ فيحدقوا به؛ وقد كان ينهاهم عن هذا قبل ذلكَ اليوم؛ فمضى الناس مع هؤلاء القواد الأربعة الذين سمَّينا؛ حتى صاروا حولَ التلِّ. وكان جعفر الخياط مما يلي باب البذّ، وكانَ أبو سعيد مما يليه، وبخاراخذاه مما يلي أبا سعيد، وأحمد بن الخليل بن هشام ممَّا. يلي بخاراخذاه؛ فصاروا جميعًا حلقة حول التل، وارتفعت الضجة من أسفل الوادي؛ وإذا الكمين الذي تحتَ التل الذي كانَ يقفُ عليه آذين قد وثب ببشير التركي والفراغنة، فحاربوهم واشتبكت الحرب بينهم ساعة.
وسمع أهل العسكر ضجَّتهم، فتحرَّكَ الناسُ، فأمر الأفشين أن ينادوا أيها الناس، هذا بشير التركي والفراغنة قد وجهتُهم، فأثاروا كمينًا فلا تتحركوا. فلما سمع الرجالة الناشبة الذين كانوا تقدموا، وصاروا فوق الجبل ركبوا الإعلام كما أمرهم الأفشين؛ فنظر الناس إلى الإعلام تجيء من جبل شاهق؛ أعلام سود وبين العسكر وبين الجبل نحو فرسخ؛ وهم ينحدرون على جبل آذين من فوقهم؛ قد ركَّبوا الإعلام، وجعلوا ينحدرون يريدون آذين؛ فلمَّا نظر إليهم أهل عسكر آذِين وجَّهَ آذين إليهم بعض رجالته الذين معه من الخرمية. ولما نظر الناس إليهم