راعوهم؛ فبعث إليهم الأفشين: أولئكَ رجالنا أنجدتنا على آذين؛ فحمل جعفر الخياط وأصحابه على آذين وأصحابه، حتى صعدوا إليهم، فحملوا عليهم حملة شديدة، قلبوه وأصحابه في الوادي، وحمل عليهم رجل ممَّن في ناحية أبي سعيد من أصحاب أبي سعيد يقال له معاذ بن محمد - أو محمد بن معاذ - في عدَّة معه؛ فإذا تحت حوافر دوابهم آبارٌ محفورة تدخلُ أيدي الدواب فيها، فتساقطت فرسان أبي سعيد فيها؛ فوجهَ الأفشين الكلغرية يُقلعون حيطان منازلهم، ويطمُّونَ بها تلك الآبار؛ ففعلوا ذلكَ، فحملَ الناسُ عليهم حملة واحدة، وكان آذين قد هيَّأ فوق، الجبل عجلا عليها صخر؛ فلما حمل الناسُ عليه، دفع العجل على الناس فأفرجوا عنه، فقد حرجت؛ ثم حَمل الناسُ من كلِّ وجه.
فلما نظر بابك إلى أصحابه قد أحدق بهم، خرج من طرف البذِّ من بابٍ مما يلي الأفشين، يكون بين هذا الباب وبين التل الذي عليهِ الأفشين قدر ميل. فأقبل بابك في جماعة معه يسألون عن الأفشين، فقال لهم أصحاب أبي دُلف: مَنْ هذا؟ فقالوا: هذا بابك يريد الأفشين؛ فأرسل أبو دلف إلى الأفشين يعلمه ذلك؛ فأرسل الأفشين رجلًا يعرف بابك؛ فنظر إليهِ، ثم عاد إلى الأفشين؛ فقال: نعم هو بابك؛ فركب إليهِ الأفشين، فدنا منهُ حتى صار في موضع يسمعُ كلامه وكلام أصحابه، والحرب مشتبكة في ناحية آذين، فقال لهُ: أريد الأمان من أميرِ المؤمنين، فقال له الأفشين: قد عرضتُ عليكَ هذا؛ وهو لك مبذولٌ متى شئتَ، فقال: قد شئتُ الآن؛ على أن تؤجلني أجلًا أحملُ فيه عيالي، وأتجهزُ. فقال له الأفشين: قد واللهِ نصحتُكَ غير مرَّةٍ فلم تقبل نصيحتي، وأنا أنصحكَ الساعة، خروجكَ اليوم في الأمان خيرٌ من غدٍ. قال: دد قبلت أيها الأميرُ؛ وأنا على ذلك؛ فقال لهُ الأفشين: فابعث بالرَّهائن الذين كنت سألتكَ. قال: نعم، أما فلان وفلان فهم على ذلكَ التل، فمر أصحابكَ بالتوقف.
قال: فجاء رسولُ الأفشين ليرد الناس، فقيل له: إن أعلام الفراغنة قد دخلت البذ، وصعدوا بها القصور. فركب وصاح بالناس، فدخل ودخلوا، وصعِد الناس بالأعلام فوق قصورِ بابكِ؛ وكانَ قد كمَّنَ في قصوره - وهي أربعة - ستمائة رجل؛ فوافاهم الناسُ؛ فصعدوا بالأعلامِ فوق القصور، وامتلأت شوارع البذ