وميدانها من الناس، وفتح أولئكَ الكُمناء أبواب القصور، وخرجوا رجالة يقاتلون الناس، ومرَّ بابك حتى دخل الوادي الذي يلي هشتاذسَر، واشتغل الأفشين وجميع قُوَّادهِ بالحرب على أبواب القصور، فقاتل الخرَّمية قتالًا شديدًا، وأحضرَ النَّفاطين، فجعلوا يصبون عليهم النِّفطَ والنَّار، والناس يهدمون القصور؛ حتى قتلوا عن آخرهم، وأخذ الأفشين أولاد بابك ومَنْ كانَ معهم في البذِّ من عيالهم، حتى أدركهم المساءُ، فأمر الأفشين بالانصراف فانصرفوا، وكان عامة الخرَّمية في البيوت، فرجع الأفشينُ إلى الخندق بروذ الرَّوذ.
فذُكر أن بابك وأصحابهُ الذين نزلوا معه الوادي حينَ علموا أنَّ الأفشينَ قد رجع إلى خندقه، رجعوا إلى البذ، فحملوا من الزادِ ما أمكنهم حملُه، وحملوا أموالهم، ثم دخلوا الوادي الذي يلي هشتادسَر فلمَّا كان في الغد خرج الأفشين حتى دخل البذ، فوقف في القرية، وأمر بهدم القصور، ووجَّهَ الرجَّالة يطوفون في أطراف القرية، فلم يجدوا فيها أحدًا من العلوج؛ فأعد الكلغريَّة، فهدموا القصور وأحرقوها؛ فعل ذلكَ ثلاثة أيامٍ حتى أحرق خزائنه وقصوره؛ ولم يَدع فيها بيتًا ولا قصرًا إلا أحرقه، وهدمه؛ ثم رجعَ وعلم أنَّ بابك قد أفلت في بعض أصحابهِ؛ فكتب الأفشين إلى ملوك أرمينية وبطارقتها يعلمهم أنَّ بابك قد هربَ وعدَّة معه، وصار إلى وادٍ، وخرجَ منه إلى ناحية إرمينية؛ وهو مارٌّ بكم، وأمرهم أن يحفظ كلُّ واحدٌ منهم ناحيته، ولا يسلكها أحدٌ إلا أخذوه حتى يعرفوه. فجاء الجواسيس إلى الأفشين، فأخبروه بموضعه في الوادي؛ وكان واديًا كثيرُ العشب والشجر، طرفُه بإرمينيَة وطرفهُ الآخر بأذرَبيجان؛ ولم يمكن الخيل أن تنزل به، ولا يُرى من يستخفي فيه لكثرة شجره ومياهه؛ إنما كانت غيضةً واحدة؛ ويسمَّى هذا الوادي غَيضة. فوجه الأفشين إلى كلِّ موضعٍ يعلم أن منهُ طريقًا ينحدر منهُ إلى تلكَ الغَيضة، أو يمكن بابك أن يخرج من ذلكَ الطريق؛ فيصير على كلِّ طريق وموضع من هذه المواضع عسكرًا فيه ما بينَ أربعمائة إلى خمسمائة مقاتل، ووجَّهَ معهم الكُوهبانية ليقفوهم على الطريق، وأمرهم بحراسة الطريق في الليل لئلا يخرج منه أحد.
وكان يوجِّه إلى كل عسكر من هذه العساكر الميرة من عسكره؛ وكانت هذه العساكر خمسة عشر عسكرًا، فكانوا كذلك حتى ورد كتاب أمير المؤمنين