المعتصم حتى ركب إليهِ بين الحائطين في الحِير؛ فدخلَ إليهِ متنكرًا، ونظرَ إليهِ وتأملهُ، وبابك لا يعرفه؛ فلما كان من غدٍ قعد له المعتصم يوم إثنين أو خميس، واصطف الناس من باب العامَّة إلى المطيرة، وأراد المعتصم أن يشُهره ويريه الناس، فقال: على أيِّ شيء يُحمل هذا؟ وكيفَ يُشهر! فقال حزام: يا أمير المؤمنين، لا شيء أشهر من الفيل، فقال: صدقت؛ فأمر بتهيئةِ الفيل، وأمرَ به فجُعِلَ في قبَاء ديباج وقلنسوة سمّور مدوَّرة؛ وهو وحدهُ؛ فقال محمد بن عبد الملك الزيات:
قد خُضِبَ الفيلُ كعاداته ... يَحملُ شيطانَ خراسانِ
والفيلُ لا تُخضَبُ أعضاؤه ... إلا لذي شأنٍ من الشانِ
فاستشرفه الناسُ من المَطيرة إلى باب العامَةِ؛ فأدخل دار العامة إلى أمير المؤمنين، وأحضر جزَّارًا ليقطع يديه ورجليه؛ ثم أمر أن يحضر سيَّافُه، فخرج الحاجب من باب العامة؛ وهو ينادي: نودنود - وهو اسم سياف بابك - فارتفعت الصيحةُ بنودنود حتى حضر، فدخل دار العامةِ، فأمرهُ أمير المؤمنين أن يقطعَ يديه ورجليه، فقطعهما فسقط، وأمر أميرُ المؤمنين بذبحهِ وشقّ بطن أحدهما، ووجَّهَ برأسه إلى خُراسان، وصلبَ بدنهُ بسامراء عند العقبة، فموضعُ خشبته مشهور، وأمر بحمل أخيه عبد الله مع ابن شَرْوين الطَّبَرِيّ إلى إسحاق بن إبراهيم خليفته بمدينة السَّلام، وأمره بضرب عنقه، وأن يفعل بهِ مثل ما فعل بأخيه، وصلبه؛ فلما صارَ به الطبري إلى البَردَان، نزلَ به ابن شروين في قصر البردان، فقال عبد الله أخو بابك لابن شروين: مَنْ أَنْت؟ فقال: ابن شروين ملك طبرستان، فقال: الحمدُ لله الذي وفَّق لي رجلًا من الدَّهاقين يتولى قتلي، قال: إنما يتولَّى قتلك هذا - وكانَ عندهُ نودنود، وهو الذي قتل بابك - فقال له: أنتَ صاحبي، وإنما هذا علج، فأخبرني، أأمرتَ أن تطعمني شيئًا أم لا؟ قال: قل ما شئت، قال: اضرب لي فالوذجة، قال: فأمر فضربت له فالوذجة في جوف الليل، فأكل منها حتى تملأ، ثم قال يا أبا فلان، ستعلم غدًا أني دِهقان إن شاء الله. ثم قال: تقدر أن تسقيني نبيذًا؟ قال: نعم، ولا تُكثِر، قال: فإني لا أكثر، قال: فأحضر أربعة أرطالِ خمر، فقعد فشربها على مَهل إلى قريب من الصبح، ثم رحل في السَّحر، فوافى به مدينة السلام، ووافى به رأس الجسر، وأمر