إلَّا أن أبا حنيفةَ الدينوري قد ذكر هذه الأحداث ولكن بصيغة مختصرة جدًّا عما عند الطبري ولم يجزِّئها بين السنوات وحين يقرؤها القارئ تتكون لديه صورة عن تلكَ الوقائع دون الشرود وراء التفاصيل والملل من ذكرها وقد استغرقت الصفحات (٤٠٢ - ٤٠٣ - ٤٠٤ - ٤٠٥) من الأخبار الطوال وسنذكرها كما هي دون تلخيص أو تصرف: قال أبو حنيفة الدينوري: [وكانَ ابتداء أمر بابك أنه تحركَ في آخر أيام المأمون وقد اختلف في نسبهِ ومذهبه والذي صحَّ عندنا وثبت أنه كان من ولد مطهّر بنت فاطمة بنت أبي مسلم، هذه التي ينتسب إليها الفاطمية من الخرمية لا إلى فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنشأ بابك والحبل مضطرب والفتن متصلة فاستفتح أمره بقتل من حوله بالبذّ وإخراب تلك الأمصار والقرى التي حواليه، لتصفو له البلاد، ويصعب مطلبه، وتشتد المؤونة في التوصل إليه؛ واشتدت شوكته واستفحل أمره. وقد كان المأمون وجَّهَ إليهِ حين اتصل به خبره عبد الله بن طاهر بن الحسين في جيش عظيم، فسارَ إليهِ ونزلَ في طريقه الدينور في ظاهرها في مكانٍ يعرف إلى يومنا هذا بقصر عبد الله بن طاهر وهو كَرْمٌ مشهورٌ، ومكان مذكور. ثم سار منها حتى وافى البذ، وقد عظم أمر بابك، وتهيَّبه الناس فحاربوهُ فلم يقدروا عليهِ، ففضَّ جمعهم وقتل صناديدهم، وكان ممن قتل في تلك الواقعة محمد بن حميد الطوسي، وهو الذي رثاه أبو تمام بقصيدته التي يقول فيها: كأنَّ بني نبهان يوم وفاته ... نجوم سماء خرَّ من بينها البدرُ وفيها يقول: فأثبت في مستنقع الموت رجله ... فقال لها من تحت أخمصكِ الحشرُ فلما أفضى الأمر إلى أبي إسحاق المعتصم لم تكن همتهُ غيره فأعدَّ لهُ الأموال والرجال وأخرج مولاه الأفشين حيدر بن كاوس، فسار الأفشين بالعساكر والجيوش حتى وافى برزند، فأقامَ بها حتى طاب الزمانُ، وانحسرت الثلوج عن الطرقات ثم قدم خليفته يوبارة وجعفر بن دينار وهو المعروف بجعفر الخياط في جمع كثير من الفرسان إلى الموضع الذي كانَ فيهِ معسكرًا وأمرهما أن يحفرا خندقًا حصينًا فسارا حتى نزلا هناك، واحتفرا الخندق. فلما فرغا من حفر الخندق استخلف الأفشين ببرزند المرزبان مولى المعتصم في جماعة من =