فنادى منادي أشناس: مَنْ كان بهِ نشاط فليركب، فركب معهُ قريب من خمسمائة فارس؛ فخرجَ أشناس حتى صار من العسكر على ميل، وبرز معه مَنْ نشطَ من الناس، ثم برز فضرب دابته بالسوط، فركض قريبًا من ميلين ركضًا شديدًا، ثم وقف ينظر إلى أصحابهِ خَلفه، فمَنْ لم يلحق بالكُردوس لضعف دابتهِ ردَّهُ إلى العسكر، ودفعَ الرجل الأسير إلى مالك بن كَيدر، وقال له: متى ما أراكَ هذا سَبْيًا وغنيمةً كثيرة فخلِّ سبيله على ما ضِمِنَّا له. فسار بهم الشيخ إلى وقت العتمة، فأوردهم على وادٍ وحشيش كثير، فأمرج الناس دوابَّهم في الحشيش حتى شبعت، وتعشى الناسُ وشربوا حتى رَووا، ثم سارَ بهم حتى أخرجهم من الغَيضةِ، وسار أشناسُ مِنْ موضعهِ الذي كانَ بهِ متوجِّهًا إلى أنقرة.
وأمر مالك بن كيدر والأدلَّاء الذين معه أن يوافُوه بأنقرة، فسار بهم الشيخ العِلج بقية ليلتهم يدُورُ بهم في جبل ليسَ يخرجهم منه، فقال الأدلاءُ لمالك بن كيدر: هذا الرجلُ يدورُ بنا، فسألهُ مالك عما ذكر الأدلَّاء، فقال: صدقوا؛ القوم الذين تريدهم خارج الجبل، وأخافُ أن أخرج من الجبل بالليل فيسمعوا صوتَ حوافر الخيل على الصخر؛ فيهربوا، فإذا خرجنا من الجبل ولم نرَ أحدًا قتلني، ولكن أدور بكَ في هذا الجبل إلى الصبح؛ فإذا أصبحنا خرجنا إليهم، فأريتُكَ إياهم حتى آمن ألَّا تقتلني. فقال لهُ مالك: ويحك! فأنزلنا في هذا الجبل حتى نستريح، فقال: رأيك؛ فنزلَ مالك ونزل الناس على الصخرة، وأمسكوا لُجم دوابهم حتى انفجر الصبح؛ فلما طلعَ الفجر قال: وجهوا رجلين يصعدان هذا الجبل؛ فينظران ما فوقه، فيأخذان من أدركا فيهِ، فصعد أربعةٌ من الرجال فأصابوا رجلًا وامرأةً؛ فأنزلوهما فسألَهُما العِلج: أين باتَ أهلُ أنقرة؟ فسمُّوا لهم الموضع الذي باتوا فيهِ، فقال لمالك: خلِّ عن هذين؛ فإنا قد أعطيناهما الأمان حتى دلونا، فخلَّى مالك عنهما، ثم سار بهم العلج إلى الموضع الذي سمَّاهُ لهم، فأشرف بهم على العسكر عسكر أهل أنقرة، وهم في طرف ملَّاحة، فلما رأوا العسكر صاحوا بالنساء والصبيان، فدخلوا الملَّاحة، ووقفوا لهم على طرف الملَّاحة يقاتلون بالقَنا، ولم يكن موضع حجارة ولا موضع خيل، وأخذوا منهم عدة أسرى، وأصابوا في الأسرى عدَّة بهم جراحات عُتق من جراحات متقدمة، فسألوهم عن تلك الجِراحات، فقالوا: كنا في وقعة الملك مع