الكراديس، فرآهم الأدلاءُ، ولوحوا لهم، فأقبلوا فتوافوا هم وعمرو في موضع غير الموضع الذي كانوا اتَّعدوا له، ثم نزلوا قليلًا، ثم ارتحلوا يريدون العسكر، وقد أخذوا عدَّة ممن كان في عسكر الملك، فصاروا إلى أشناس في اللَّمس، فسألهم عن الخبر، فأخبروه أن الملك مقيم منذ أكثر من ثلاثين يومًا ينتظرُ عُبور المعتصم ومقدَّمته باللَّمس؛ فيواقعهم من وراء اللَّمس، وأنه جاءه الخبر قريبًا؛ أنه قد رحل من ناحية الأرمنياق عسكرٌ ضخم، وتوسط البلاد - يعني عسكر الأفشين - وأنه قد صار خلفه.
فأمرَ الملك رجلًا من أهل بيته ابن خاله، فاستخلفه على عسكره، وخرجَ ملكُ الروم في طائفةٍ من عسكرهِ يريدُ ناحية الأفشين، فوجَّهَ أشناس بذلك الرجل الذي أخبره بهذا الخبر إلى المعتصم فأخبره الخبر، فوجه المعتصم من عسكره قومًا من الأدلَّاء، وضمن لهم لكل رجلٍ منهم عشرة آلاف درهم، على أن يوافُوا بكتابه الأفشين، وأعلمهُ فيه أنَّ أمير المؤمنين مقيمٌ، فليقم إشفاقًا من أن يواقعه ملكُ الروم. وكتبَ إلى أشناس كتابًا يأمرهُ أن يوجه من قِبَله رسولًا من الأدلاء الذين يعرفون الجبال والطرق والمشبهة بالرُّوم، وضمِنَ لكلِّ رجلٍ منهم عشرة آلاف درهم إن هو أوصل الكتاب، ويكتب إليهِ أن ملك الروم قد أقبل نحوهُ فليُقم مكانهُ حتى يوافيَهُ كتاب أمير المؤمنين.
فتوجَّهت الرسل إلى ناحية الأفشين، فلم يلحقه أحد منهم؛ وذلكَ أنه كان وغل في بلاد الروم، وتوافت آلات المعتصم وأثقالهُ مع صاحب الساقة إلى العسكر، فكتب إلى أشناس يأمرهُ بالتقدُّم؛ فتقدَّمَ أشناس والمعتصم من ورائه، بينهم مرحلة ينزلُ هذا ويرحل هذا. ولم يرد عليهم من الأفشين خبر؛ حتى صاروا من أنقرة على مسيرة ثلاثة مراحل؛ وضاق عسكر المعتصم ضيقًا شديدًا من الماء والعَلَف.
وكانَ أشناس قد أسرَ عدَّةَ أسرى في طريقهِ، فأمر بهم فضُربت أعناقهم حتى بقي منهم شيخٌ كبير؛ فقال الشيخ: ما تنتفع بقتلي، وأنت في هذا الضيق، وعسكركَ أيضًا في ضيقٍ من الماءِ والزاد، وها هنا قوم قد هربوا من أَنقرة خوفًا من أن ينزل بهم ملك العرب؛ وهم بالقرب منا ها هنا، معهم من الميرة والطعام، والشعير شيءٌ كثير، فوجِّهْ معي قومًا لأدفعهم إليهم، وخلِّ سبيلي! .