يدخلوا الدّرب وهم يريدون أنقرة وعَمّوريَة، ودخل الأفشين من ناحية مَلَطْية، أشار عُجيف على العباس أن يثب على المعتصم في الدّرب وهو في قلة من الناس، وقد تقطعت عنه العساكر، فيقتله ويرجع إلى بغداد، فكان الناس يفرحون بانصرافهم من الغزو، فأبى العباس عليه، وقال: لا أفسد هذه الغزاة، حتى دخلوا بلاد الروم، وافتتحوا عَمّورية، فقال عُجيف للعباس: يا نائم، كم تنام! قد فتحت عَمُّوريّة، والرجل ممكن، دُسَّ قومًا ينتبهون هذا الخرثي، فإنه إذا بلغه ذلك ركب بسرعة، فتأمر بقتله هناك، فأبى عليه العباس، وقال: أنتظر حتى يصير إلى الدرب، فيخلو كما خلا في البدْأة؛ فهو أمكن منه هاهنا، وكان عُجيف قد أمر مَنْ ينتهب المتاع، فانتُهب بعص الخرْثيّ في عسكر إيتاخ.
فركب المعتصم وجاء ركضًا، فسكن الناس، ولم يطلق العباس أحدًا من أولئك الرجال الذين كان واعدهم، فلم يُحدثوا شيئًا، وكرهوا أن يفعلوا شيئًا بغير أمره.
وكان عمرو الفرغانيّ قد بلغه الخبر ذلك اليوم، ولعمرو الفرغانيّ قرابة، غلام أمرد في خاصة المعتصم، فجاء الغلام إلى ولد عمرو يشرب عندهم في تلك الليلة، فأخبرهم أن أمير المؤمنين ركب مستعجلًا، وأنه كان يعدو بين يديه، وقال: إنّ أمير المؤمنين قد غضب اليوم، فأمرني أن أسلّ سيفي، وقال: لا يستقبلك أحد إلا ضربتَه، فسمع عمرو ذلك من الغلام، فأشفق عليه أن يصاب فقال له: يا بني، أنت أحمق، أقلّ من الكينونة عند أمير المؤمنين بالليل، والزم خيمتك، فإن سمعت صحيةً مثل هذه الصيحة، أو شَغبًا أو شيئًا فلا تبرح من خيمتك؛ فإنك غلامِ غرّ؛ لست تعرف بعدُ العساكر، فعرف الغلام مقالَة عمرو.
وارتحل المعتصم من عَمّوريّة يريد الثغر ووجّه الأفشين ابن الأقطع في طريق خلاف طريق المعتصم، وأمره أن يغير على موضع سمّاه له، وأن يوافيه في بعض الطريق، فمضى ابن الأقطع، وتوجّه المعتصم يريد الثغر، فسار حتى صار إلى موضع أقام فيه ليُريح ويستريح، وليسلك الناس من المضيق الذي بين أيديهم، ووافى ابن الأقطع عسكر الأفشين بما أصاب من الغنائم، وكان عسكر المعتصم على حدة وعسكر الأفشين على حدة، بين كل عسكر قدر ميلين أو أكثر، واعتل