البذندون، فبعث إليه أشناس بأحمد بن الخصيب وأبي سعيد محمد بن يوسف يسألانه عن النصيحة؛ فذكر أنه لا يخبر بها إلا أمير المؤمنين، فرجعا فأخبرا أشناس بذلك، فقال: ارجعا فاحلفا له: إني حلفت بحياة أمير المؤمنين؛ إن هو لم يخبرني بهذه النصيحة أن أضربه بالسياط حتى يموت، فرجعا فأخبرا أحمد بن الخليل بذلك.
فأخرج جميع من عنده، وبقي أحمد بن الخصيب وأبو سعيد فأخبرهما بما ألقى إليه عمرو الفرغاني من أمر العباس، وشرح لهما جميع ما كان عنده، وأخبرهما بخبر الحارث السمرقندي، فانصرفا إلى أشناس، فأخبراه بذلك فبعث أشناس في طلب الحدّادين، فجاءوا بحدّادين من الجند، فدفع إليهما حديدًا، فقال: اعملا لي قيدًا مثل قيد أحمد بن الخليل، وعجّلا به الساعة، ففعلا ذلك، فلمّا كان عنده حبسه، وكان حاجب أشناس يبيت عند أحمد بن الخليل مع محمد بن سعيد السعديّ.
فلما كان تلك الليلة عند العتمة ذهب الحاجب إلى خيمة الحارث السمرقندي فأخرجه منها، وجاء به إلى أشناس فقيّده، وأمر الحاجب أن يحمله إلى أمير المؤمنين، فحمله الحاجب إليه، واتفق رحيل أشناس صلاة الغداة، فجاء أشناس إلى موضع معسكره، فتلقاه الحارث معه رجل من قِبلَ المعتصم، وعليه خلع، فقال له أشناس: مه، فقال: القيد الذي كان في رجلي صار في رجل العباس. وسأل المعتصم الحارث حين صار إليه عن أمره، فأقرّ أنه كان صاحب خبر العباس، وأخبره بجميع أمره وجميع مَنْ بايع العباس من القوّاد فأطلق المعتصم الحارث وخلع عليه، ولم يصدق على أولئك القواد لكثرتهم وكثرة من سمى منهم.
وتحير المعتصم في أمر العباس، فدعا به حين خرج إلى الدّرب فأطلقه ومنَّاه، وأوهمه أنه قد صفح عنه، وتغدّى معه، وصرفه إلى مضربه، ثم دعاه بالليل، فنادمه على النبيذ، وسقاه حتى أسكره، واستحلفه ألا يكتمه من أمره شيئًا، فشرح له قصته، وسمّى له جميع مَنْ كان دبّ في أمره، وكيف كان السبب في ذلك في كلّ واحد منهم، فكتبه المعتصم وحفظه، ثم دعا الحارث السمرقندي بعد ذلك، فسأله عن الأسباب، فقص عليه مثل ما قصّ عليه