أشناس إلى المعتصم، قال له: أحسِنْ أدب عمرو الفرغانيّ وأحمد بن الخليل، فإنهما قد حمَّقا أنفسهما؛ فجاء أشناس ركضًا إلى معسكره، فسأل عن عمرو وابن الخليل، فأصاب عمرًا؛ وكان ابن الخليل قد مضى في الميسرة يبادر الروم، فجاءوه بعمرو الفرغانيّ؛ وقال: هاتوا سياطًا؛ فمكث طويلًا مجرّدًا ليس يؤتى بالسياط، فتقدّم عمّه إلى أشناس، فكلمه في عمرو - وكان عمه أعجميًّا - وعمرو واقف، فقال: احملوه، فألبسوه قباء طاق، فحملوه على بغل في قبّه، وساروا به إلى العسكر، وجاء أحمد بنِ الخليل وهو يركُض، فقال: احبسوا هذا معه، فأنزل عن دابته، وصُيِّر عديله، ودُفعا إلى محمد بن سعيد السعديّ يحفظهما؛ فكان يضرب لهما مضربًا في فازة وحجرة ومائدة، ويفرش لهما فرشًا وطيّة، وحوضًا من ماء وأثقالهما وغلمانهما في العسكر؛ لم يحرَّك منها شيء، فلم يزالا كذلك حتى صارا إلى جبل الصَّفْصاف.
وكان أشناس على الساقة، وكان بغا على ساقة عسكر المعتصم، فلمّا صار بالصّفصاف، وسمع الغلام الفرغانيّ قرابة عمرو بحبس عمرو، ذكر الغلام للمعتصم ما دار بينه وبين عمرو من الكلام في تلك الليلة، مما قال له عمرو؛ إذا رأيت شغْبًا فالزم خيمتك؛ فقال المعتصم لبغا: لاترحل غدًا حتى تجئ أشناس، فتأخذ منه عمرًا، وتلحقني به؛ وكان هذا بالصفصاف.
فوقف بُغا بأعلامه ينتظر أشناس، وجاء محمد بن سعيد ومعه عمرو وأحمد بن الخليل، فقال بغا لأشناس: أمرني أمير المؤمنين أن أوافيَه بعمرو الساعة، فأنزل عمرو، وجعل مع أحمد بن الخليل في القبة رجل يعادله، ومضى بغا بعمرو إلى المعتصم، فأرسل أحمد بن الخليل غلامًا من غلمانه إلى عمرو، لينظر ما يصنع به، فرجع الغلام فأخبره أنه أدخل على أمير المؤمنين، فمكث ساعة ثم دُفع إلى إيتاخ؛ وكان أمير المؤمنين لما دخل ساءله عن الكلام الذي قاله للغلام قرابته؛ فأنكر وقال: هذا الغلام كان سكران؛ ولم يفهم ولم أقل شيئًا ممّا ذكره؛ فأمر به فدفع إلى إيتاخ، وسار المعتصم حتى صار إلى باب مضايق البذندون، وأقام أشناس ثلاثة أيام على مضيق البذندون ينتظر أن تتخلّص عساكر أمير المؤمنين؛ لأنه كان على الساقة، فكتب أحمد بن الخليل إلى أشناس رقعة يعلمه أنّ لأمير المؤمنين عنده نصيحة، وأشناس مقيم على مضيق