توجّه إليّ ثقة من قبلَك يؤدي عني ما أقول، فأمر المعتصم حمدون بن إسماعيل - وكان حمدون في أيام المتوكل في حبس سليمان بن وهب في حبس الأفشين هذا؛ فحدّث بهذا الحديث وهو فيه:
قال حمدون: فبعث بي المعتصم إلى الأفشين، فقال لي: إنه سيُطَوّلُ عليك فلا تحتبس، قال: فدخلت عليه، وطبق الفاكهة بين يديه لم يمسّ منه واحدةً فما فوقها، فقال لي: اجلس، فجلست فاستمالني بالدهقنة، فقلت: لا تُطوّل؛ فإن أمير المؤمنين قد تقدم إليّ ألّا أحتبس عندك، فأوجزْ، فقال: قل لأمير المؤمنين؛ أحسنتَ إليّ وشرّفتَني، وأوطأت الرّجال عَقبِي، ثم قبلْتَ فيّ كلامًا لم يتحقّق عندك؛ ولم تتدبّرْه بعقلك؛ كيف يكون هذا، وكيف يجوز لي أن أفعل هذا الذي بلغك! تخبرَ بأني دَسستُ إلى مَنكجور أن يخرج، وتقبله، وتخبَر أني قلت للقائد الذي وجهته إلى مَنكجور: لا تحاربه، واعْذِرْ، وإن أحسست بأحد منا فانهزم من بين يديه؛ أنت رجل قد عرفتَ الحرب، وحاربت الرجال، ولسُسْتَ العساكر؛ هذا يمكن رأس عسكر يقول لجند يلقون قومًا: افعلوا كذا وكذا، هذا ما لا يسوغ لأحد أن يفعله؛ ولو كان هذا يمكن ما كان ينبغي أن تقبله من عدوّ قد عرفت سببه؛ وأنت أوْلى بي، إنما أنا عبد من عبيدك، وصنيعك؛ ولكن مَثَلِي ومثلك يا أمير المؤمنين مثَل رجل ربَّى عِجْلا له حتى أسمنه وكَبِر، وحسنت حالُه، وكان له أصحاب اشتهوا أن يأكلوا من لحمه، فعرّضوا له بذبح العِجْل فلم يجبهم إلى ذلك، فاتفقوا جميعًا على أن قالوا له ذات يوم: ويحك! لمَ تُربِّي هذا الأسد؟ هذا سبُع، وقد كبر، والسَّبُع إذا كبر يرجع إلى جنسه! فقال لهم: ويحك هذا عجل بقر، ما هو سبع، فقالوا: هذا سبع؛ سلْ مَنْ شئت عنه؛ وقد تقدموا إلى جميع من يعرفونه، فقالوا له: إن سألكم عن العِجْل، فقولوا له: هذا سبع؛ فكلما سأل الرّجل إنسانًا عنه، وقال له: أَما ترى هذا العِجْل ما أحسنه! قال الآخر: هذا سبع؛ هذا أسد، ويحك! فأمر بالعجل فذُبح؛ ولكني أنا ذلك العِجْل، كيف أقدر أن أكون أسدًا! الله الله في أمري؛ اصطنعتني وشرّفتَنِي وأنت سيدي ومولاي، أسأل الله أن يعطف بقلبك عليّ.
قال حمدون: فقمت فانصرفت، وتركت الطَّبَق على حاله لم يمسّ منه شيئًا، ثم ما لبثنا إلا قليلًا؛ حتى قيل: إنه يموت أو قد مات؛ فقال المعتصم: أروه