للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شاء الله. ثم دافعه حتى طالت به الأيام، قال: فأقبل أبو العود يحتال أن يجد من الرشيد وقتًا يحرّضه فيه على البرامكة - وقد كان شاع في الناس ما كان يهمّ به الرشيد في أمرهم - فدخل عليه ليلةً، فتحدّثوا، فلم يزل أبو العود يحتال للحديث حتى وصله بقول عمر بن أبي ربيعة:

وعَدتْ هندٌ وما كانت ... تَعِدْ ليتَ هندًا أَنْجَزَتنا ما تَعِدْ

واسْتبدَّتْ مرَّة واحدةً ... إنما العاجز مَن لا يَسْتَبدَ

فقال الرشيد: أجل والله؛ إنما العاجز من لا يستبدّ، حتى انقضى المجلس وكان يحيى قد اتخذ من خدم الرشيد خادمًا يأتيه بأخباره، وأصبح يحيى غاديًا على الرَّشيد، فلما رآه قال: قد أردت البارحة أن أرسل إليك بشعرٍ أنشدنيه بعضُ مَنْ كان عندي، ثم كرهت أن أزعجك، فأنشده البيتين، فقال: ما أحسنَهما يا أمير المؤمنين! وفطن لما أراد، فلما انصرف أرسل إلى ذلك الخادم، فسأله عن إنشاد ذلك الشعر؛ فقال؛ أبو العود أنشده، فدعا الوزير يحيى بأبي العود، فقال له: إنا كنا قد لويناك بمالك، وقد جاءنا مال، ثم قال لبعض خدمه: اذهب فأعطه ثلاثين ألف درهم من بيت مال أمير المؤمنين، وأعطه من عندي عشرين ألف درهم لمُطْلنا إياه، واذهب إلى الفضل وجعفر فقل لهما هذا رجل مستحقّ أن يبرّ، وقد كان أمير المؤمنين أمر له بمال فأطلْت مطله، ثم حضر المال؛ فأمرت أن يعطى ووصلتُه من عندي صِلة، وقد أحببت أن تصلاه، فسألا: بكَم وصله قال: بعشرين ألف درهم؟ فوصله كلّ واحد منهما بعشرين ألف درهم؛ فانصرف بذلك المال كله إلى منزله. وجدّ الرشيد في أمرهم حتى وثب عليهم، وأزال نعمتهم، وقتل جعفرًا وصنع ما صنع.

فقال الواثق: صدق والله جدي؛ إنما العاجز من لا يستبدّ! وأخذ في ذكر الخيانة وما يستحق أهلها.

قال عزُّون: أحسبه: سيوقع بكتّابه، فما مضى أسبوع حتى أوقع بكتّابه، وأخذ إبراهيم بن رباح وسليمان بن وهب وأبا الوزير وأحمد بن الخصيب وجماعتهم، قال: وأمر الواثق بحبس سليمان بن وَهْب كاتب إيتاخ، وأخذه بمائتي ألف درهم - وقيل دينار - فقيد وألبس مَدْرعة من مدارع الملاحين، فأدّى مائة ألف درهم، وسأل أن يؤخذ بالباقي عشرين شهرًا، فأجابه الواثق إلى ذلك،

<<  <  ج: ص:  >  >>