للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفساد والمأمون بخراسان؛ وقد ذكرنا خبره فيما مضى. وأنه لم يزل أمره على ذلك ثابتًا إلى أن قدم المأمون بغداد في سنة أربع ومائتين، فرجوا استجابة العامة له إذا هو تحرّك للأسباب التي ذكرت.

فذكر أنه أجاب من سأله ذلك؛ وأنّ الذي كان يسعى به في دعاء الناس له الرجلان اللذان ذكرت اسمهما قبل. وإن أبا هارون السرّاج وطالبًا فرّقا في قوم مالا، فأعطيا كلّ رجل منهم دينارًا دينارًا، وواعدهم ليلةً يضربون فيها الطَّبْل للاجتماع في صبيحتها للوثوب بالسلطان؛ فكان طالب بالجانب الغربيّ من مدينة السَّلام فيمن عاقده على ذلك، وأبو هارون بالجانب الشرقيّ فيمن عاقده عليه؛ وكان طالب وأبو هارون أعطيا فيمَنْ أعطيا رجلين من بني أشرس القائد دنانير يفرّقانها في جيرانهم، فانتبذ بعضُهم نبيذًا، واجتمع عدّة منهم على شربه، فلمّا ثمِلوا ضربوا بالطبل ليلة الأربعاء قبل الموعد بليلة؛ وكان الموعد لذلك ليلة الخميس في شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين، لثلاث تخلو منه، وهم يحسبونها ليلة الخميس التي اتّعدوا لها، فأكثروا ضرب الطبْل، فلم يجبهم أحد. وكان إسحاق بن إبراهيم غائبًا عن بغداد وخليفته بها أخوه محمد بن إبراهيم، فوجّه إليهم محمد بن إبراهيم غلامًا له يقال له رَحش، فأتاهم فسألهم عن قصّتهم، فلم يظهر له أحد ممن ذكر بضرب الطَّبْل، فدُل على رجل يكون في الحمامات مصاب بعينه، يقال له عيسى الأعور، فهدّده بالضرب، فأقرّ على ابني أشرس وعلى أحمد بن نصر بن مالك وعلى آخرين سمّاهم، فتتبّع القوم من ليلتهم؛ فأخذ بعضهم، وأخذ طالبًا ومنزلُه في الرَّبض من الجانب الغربي، وأخذ أبا هارون السرّاج ومنزله في الجانب الشرقيّ، وتتبَّع مَنْ سمّاه عيسى الأعور في أيام وليال، فصُيروا في الحبس في الجانب الشرقيّ والغربيّ، كلُّ قوم في ناحيتهم التي أخذوا فيها، وقيِّد أبو هارون وطالب بسبعين رطلًا من الحديد كلّ واحد منهما، وأصيب في منزل ابني أشرس عَلَمان أخضر ان فيهما حُمرة في بئر، فتولَّى إخراجهما رجلٌ من أعوان محمد بن عيّاش - وهو عامل الجانب الغربيّ، وعامل الجانب الشرقيّ العباس بن محمد بن جبريل القائد الخراسانيّ - ثم أخذَ خصي لأحمد بن نصر فتُهُدِّد، فأقرّ بما أقرَّ به عيسى الأعور، فمضى إلى أحمد بن نصر وهو في الحمّام، فقال لأعوان السلطان: هذا منزلي؛ فإن أصبتم فيه عَلمًا أو عُدَّة

<<  <  ج: ص:  >  >>