وأمر أن يُتتبع من وُسِم بصحبة أحمد بن نصر؛ ممن ذُكر أنه كان متشايعًا له؛ فوُضعوا في الحبوس، ثم جُعل نيِّف وعشرون رجلا وُسموا في حبوس الظلمة؛ ومُنعوا من أخذ الصدقة التي يُعطاها أهل السجون، ومنُعوا من الزُّوّار، وثقّلوا بالحديد. وحمِل أبو هارون السراج وآخَرُ معه إلى سامراء، ثم رُدُّوا إلى بغداد، فجُعلوا في المحابس.
وكان سبب أخذ الذين أخذوا بسبب أحمد بن نصر، أنّ رجلًا قصّارًا كان في
= الأَمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، إلى أن دَخَل المأمون بغدادَ، فرفق بسهلٍ حتى لبسَ السَّوادَ، وأخذ الأَرزاقَ، ولزم أحمد بيته، ثم إنَّ أمرَهُ تَحَرَّك ببغدادَ في آخر أيامِ الواثِقِ، واجتمع إليه خَلْقٌ من الناسِ، يأمرون بالمعروف، إلى أن ملكوا بغداد، وتَعدَّى رجلان من أصحابِهِ يقال لأحدهما: طالب في الجانب الغربي، ويقال للآخر: أبو هارونَ، في الجانب الشرقيّ، وكانا موسِرَين، فبذلا مالًا، وعزما على الوثوبِ ببغدادَ في شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين، فنَمَّ عليهم قَوْمٌ إلى إسحَاق بن إبراهيم، فأخذ جماعة، فيهم أحمد بن نصر، وأخذ صاحبيه طالبًا وأبا هارونَ، فَقَيَّدهما، ووجَدَ في منزل أحدِهما أعلامًا، وضرب خادمًا لأحمد بن نصر، فأقرَّ أن هؤلاء كانوا يصيرون إليه ليلًا فيعرّفونه ما عملوا، فحملهم إسحاق مُقَيَّدين، إلى سُرَّ من رأى، فجلس لهم الواثق وقال لأحمد بن نصر: دَعْ ما أُخِذْتَ له، ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله، قال: أفمخلوق هو؟ قال: كلام الله. قال: أفَتَرَى ربَّك في القيامة؟ قال: كذا جاءت الرواية، قال: ويحك، يُرى كما يُرى المحدود المتجسِّم، ويحويه مكان، ويحصره الناظر، أنا أكفر بربٍ هذه صفته، ما تقولون فيه؟ فقال عبد الرحمن بن إسحاق، وكان قاضيًا على الجانب الغربي ببغداد فَعُزلَ: هو حلال الدم، وقال جماعة من الفقهاء كما قال، فأظهر ابن أبي دواد أنه كارهٌ لقَتْله، فقال للواثق: يا أمير المؤمنين شيخٌ مختلٌ: لعل به عاهة أو تغير عقل يؤخر أمره ويستتاب فقال الواثق: ما أراه إلّا مؤدّيًا لكفره، قائمًا بما يعتقده منه. ودعا الواثق بالصمصامة وقال: إذا قمتُ إليه، فلا يقومَنَّ أحدٌ معي، فإِنّي أحتسبُ خطاي إلى هذا الكافر، الذي يعبد ربًّا لا نعبُده، ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بها، ثم أمرَ بالنَّطع، فأُجلِس عليه، وهو مقَيَّد، وأمَرَ بشدِّ رأسه بحبل وأمرهم أن يمدُّوه، ومشى إليه حتى ضرب عُنُقه، وأمَرَ بحمل رأسه إلى بغداد، فنُصب بالجانب الشرقيّ أيّامًا، وفي الجانب الغربيّ أيّامًا، وتتبَّع رؤساء أصحابِهِ فوُضِعوا في الحُبُوسِ. ورواية البغدادي عن الصولي هنا منقطعة غير صحيحة والله أعلم - وبه. أخبرنا عُبيد الله بن عُمر الواعظ، حدّثني أبي قال: سمعتُ أبا محمد الحسن بن محمد بن بحر الحربيّ يقول: سمعت جعفر بن محمد الصائغ يقول: بَصَرُ عينيَّ وإلَّا فَعميتا، وسَمْعُ أُذُنيَّ وإلَّا فَصُمَّتا: أحمدُ بن نصر الخُزَاعيُّ حيث ضربَتْ عُنُقُهُ يقول رأسُه: لا إله إلّا الله، أو كما قال [تأريخ بغداد/ ٥/ ١٧٦]. وهذا إسناد موصول يؤيد مقتل أحمد بن نصر في تلك المحنة والله أعلم.