وتأخّر خاقان بعدهم قليلًا؛ فقدم على الواثق رسلُ صاحب الروم - وهو ميخائيل بن توفيل بن ميخائيل بن أليون بن جورجس - يسأله أن يفادِيَ بمن في يده من أسارى المسلمين، فوجّه الواثق خاقان في ذلك، فخرج خاقان ومَنْ معه في فداء أسارى المسلمين في آخر سنة ثلاثين ومائتين على موعد بين خاقان ورسل صاحب الرّوم للالتقاء للفداء في يوم عاشوراء؛ وذلك في العاشر من المحرّم سنة إحدى وثلاثين ومائتين. ثم عقد الواثق لأحمد بن سعيد بن سلْم بن قتيبة الباهليّ على الثغور والعواصم، وأمره بحضور الفداء؛ فخرج على سبعة عشر من البُرُد وكان الرسل الذين قدموا في طلب الفداء قد جرى بينهم وبين ابن الزّيات اختلاف في الفداء، قالوا: لا نأخذ في الفداء امرأة عجوزًا ولا شيخًا كبيرًا ولا صبيًّا، فلم يزل ذلك بينهم أيامًا حتى رضُوا عن كلّ نفس بنفس.
فوجّه الواثق إلى بغداد والرّقة في شراء مَنْ يباع من الرقيق من مماليك، فاشترى مَنْ قدرَ عليه منهم، فلم تتم العدة، فأخرج الواثق من قصره من النساء الروميات العجائز وغيرهنّ؛ حتى تمّت العِدّة، ووجّه ممن مع ابن أبي دواد. رجلين، يقال لأحدهما يحيى بن آدم الكرخيّ، ويكنى أبا رملة، وجعفر [بن أحمد] بن الحذّاء؛ ووجّه معهما كاتبًا من كتّاب العَرْض يقال له طالب بن داود، وأمره بامتحانهم هو وجعفر، فمن قال: القرآن مخلوق فودي به، ومن أبى ذلك تُرك في أيدي الروم؛ وأمَرَ لطالب بخمسة آلاف درهم؛ وأمر أن يعطوا جميع من قال: إن القرآن مخلوق؛ ممن فُودِي به دينارًا لكل إنسان من ماله حُمل معهم، فمضى القوم.
فذكر عن أحمد بن الحارث أنه قال: سألت ابن أبي قحطبة صاحب خاقان الخادم - وكان السفير الموجّه بين المسلمين والروم، وُجِّه ليعرف عدّة المسلمين في بلاد الروم. فأتى ملك الروم وعرف عدّتهم قبل الفداء - فذكَر أنه بلغت عِدّتهم ثلاثة آلاف رجل وخمسمائة امرأة؛ فأمر الواثق بفدائهم، وعجّل أحمد بن سعيد على البَرِيد ليكون الفِداء على يديه، وجه من يمتحن الأسراء من المسلمين، فمن قال منهم: إنّ القرآن مخلوق، وإنّ الله عزّ وجلّ لا يُرَى في الآخرة فُودي به؛ ومن لم يقل ذلك ترك في أيدي الرّوم، ولم يكن فداء منذ أيام محمد بن زبيدة في سنة أربع أو خمس وتسعين ومائة.