قال: فلما كان يوم عاشوراء، لعشر خلوْن من المحرم سنة إحدى وثلاثين ومائتين، اجتمع المسلمون ومَنْ معهم من العُلوج وقائدان من قوّاد الروم؛ يقال لأحدهما أنقاس وللآخر لمسنوس، والمسلمون والمطوّعة في أربعة آلاف بين فارس وراجل، فاجتمعوا بموضع يقال له اللمس؛ فذكر عن محمد بن أحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة الباهليّ أن كتاب أبيه أتاه، أنّ من فُودِي به من المسلمين ومَنْ كان معهم من أهل ذمتهم أربعة آلاف وستمائة إنسان؛ منهم صبيان ونساء ستمائة؛ ومنهم من أهل الذمة أقلّ من خمسمائة والباقون رجالٌ من جميع الآفاق.
وذكر أبو قحطبة - وكان رسول خاقان الخادم إلى ملك الروم لينظر كَمْ عدد الأسرى، ويعلم صحّة ما عزم عليه ميخائيل ملك الروم - أنّ عدد المسلمين قبل الفداء كان ثلائة آلاف رجل وخمسمائة امرأة وصبيّ، ممّن كان بالقسطنطينية وغيرها؛ إلا مَنْ أحضره الرّوم ومحمد بن عبد الله الطرسوسيّ - وكان عندهم - فأوفده أحمد بن سعيد بن سلمْ وخاقان مع نَفر من وجوه الأسرى على الواثق، فحملهم الواثق على فرس فرس، وأعطى لكلّ رجل منهم ألف درهم.
وذكر محمد هذا أنه كان أسيرًا في أيدي الرّوم ثلاثين سنة، وأنه كان أسِر في غزاة رامية كان في العلَّافة فأسِر، وكان فيمن فُودي به في هذا الفداء، وقال: فودِيَ بنا في يوم عاشوراء على نهر يقال له اللامس، على سَلوقيَة قريبًا من البحر، وأنّ عِدتهم كانت أربعة آلاف وأربعمائة وستين نفسًا؛ النساء وأزواجهنّ وصبيانهنّ ثمانمائة وأهل ذمة المسلمين مائة أو أكثر، فوقع الفداء كلّ نفس عن نفس صغيرًا أو كبيرًا، فاستفرغ خاقان جميعَ مَنْ كان في بلد الرّوم من المسلمين ممن علم موضعه.
قال: فلمّا جُمعوا للفداء، وقف المسلمون من جانب النهر الشرقيّ والرّوم من الجانب الغربى - وهو مخاضة - فكان هؤلاء يرسلون من ها هنا رجلًا وهؤلاء من ها هنا رجلًا، فيلتقيان في وسط النهر، فإذا صار المسلم إلى المسلمين كبّر وكبّروا، وإذا صار الروميّ إلى الروم تكلم بكلامهم، وتكلموا شبيهًا بالتكبير.
وذكر عن السنديّ مولى حسين الخادم، أنه قال: عقد المسلمون جسرًا على النهر، وعقد الروم جسرًا؛ فكنا نرسل الروميّ على جسرنا ويرسل الروم المسلم على جسرهم؛ فيصير هذا إلينا وذاك إليهم، وأنكر أن يكون مخاضَة.