وكان بُغا الشرابيّ الرسولَ إليه يدعوه، فسلم عليه بالخلافة في الطريق، فعقدوا له وبايعوا، فأمهل حتى إذا كان يوم الأربعاء لسبع خَلَوْن من صفر؛ وقد عزم المتوكِّل على مكروه أن يناله به، أمر إيتاخ بأخذه وعذابه؛ فبعث إليه إيتاخ، فظنّ أنه دُعي به، فركب بعد غدائه مبادرًا يظنّ أن الخليفة دعا به؛ فلما حاذى منزل إيتاخ قيل له: اعدل إلى منزل أبي منصور، فعدَل وأوجس في نفسه خيفةً؛ فلمَا جاء إلى الموضع الذي كان ينزل فيه إيتاخ عُدِل به يمْنةً، فأحسّ بالشرّ، ثم أدخِل حجرة، وأخِذ سيفه ومنطِقته وقلنسوته ودرّاعته؛ فدُفع إلى غلمانه، وقيل لهم: انصرفوا، فانصرفوا لا يشكُّون أنه مقيم عند إيتاخ ليشرب النبيذ.
قال: وقد كان إيتاخ أعدّ له رجلين من وجُوه أصحابه؛ يقال لهما يزيد بن عبد الله الحلواني وهَرْثمة شارباميان؛ فلما حصل محمد بن عبد الملك خرجا يركُضان في جُنْدهما وشاكريّتهما، حتى أتيا دار محمد بن عبد الملك، فقال لهم غلمان محمد: أين تريدون؟ قد ركب أبو جعفر، فهجما على داره، وأخذا جميع ما فيها.
فذكر عن ابن الحلوانيّ أنه قال: أتيت البيت الذي كان محمد بن عبد الملك يجلس فيه، فرأيته رثّ الهيئة قليل المتاع، ورأيت فيه طنافس أربعة وقنانيّ رطليّات، فيها شراب، ورأيت بيتًا ينام فيه جواريه، فرأيت فيه بُوريًّا ومخادَّ منضّدة في جانب البيت؛ على أن جواريه كنّ ينمْنَ بلا فُرش.
وذكر أنّ المتوكل وجّه في هذا اليوم من قَبض ما في منزله من متاعِ ودوابَ وحوار وغلمان، فصيِّر ذلك كله في الهارونيّ، ووجّه راشدًا المغربيَّ إلَى بغداد في قبض ما هنالك من أمواله وخَدَمِه، وأمر أبا الوزير بقبض ضياعه وضياع أهل بيته حيث كانت. فأمّا ما كان بسامراء فحمل إلى خزائن مَسرور سمانة، بعد أن اشتُريَ للخليفة؛ وقيل لمحمد بن عبد الملك: وكّلْ ببيع متاعك. وأتوه بالعباس بن أحمد بن رشيد كاتب عُجيف، فوكّله بالبيع عليه، فلم يزل أيامًا في حبَسْه مطلقًا، ثم أمر بتقييده فقُيِّد، وامتنع من الطعام، وكان لا يذوق شيئًا، وكان شديد الجَزع في حبسه، كثير البكاء، قليل الكلام، كثير التفكّر، فمكث أيامًا ثم سُوهر، ومُنع من النوم، يساهَر ويُنْخَس بمسلّة، ثم تُرك يوما وليلة،