ذكر أنّ السبب في ذلك كان أنّ المتوكل كان اعتَلّ في هذه السنة؛ وكان مع ابن البعيث رجلٌ يخدمه يسمّى خليفة، فأخبره بأنّ المتوكل قد تُوفِّيَ، وأعدّ له دوابٌ، فهرب هو وخليفة الذي أخبره الخبر إلى موضعه من أذْرَبيجان، وموضعه منها مَرَنْد - وقيل: كانت له قلعتان تُدْعى إحداهما شاهى والأخرى يَكدرُ - ويكدر خارج البحيرة، وشاهى في وسط البحيرة، والبحيرة قدرُ خمسين فرسخًا من حدّ أرْمية؛ إلى رُستاق داخَرّقَان بلاد محمد بن الرواد، وشاهى قلعة ابن البعيث حصينة يحيط بها ماء قائم ثَمَ، يركب الناس من أطراف المراغة إلى أرْمِيَة وهي بحيرة لا سمك فيها ولا خير.
وذُكر أنّ ابن البَعيث كان في حبس إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، فتكلم فيه بُغَا الشرابيّ، وأخذ منه الكُفَلاء نحوًا من ثلاثين كَفيلًا، منهم محمد بن خالد بن يزيد بن مزيد الشيبانيّ؛ فكان يتردّد بسامراء؛ فهرب إلى مَرَنْد، فجمع بِمَرنْد الطعام؛ وفيها عيون ماء، فرَمَّ ما كان وَهيَ من سُورها، وأتاه من أراد الفتنة من كلّ ناحية؛ من ربيعة وغيرهم؛ فصار في نحو من ألفين ومائتي رجل.
وكان الوالي بأذربيجان محمد بن حاتم بن هرثمة، فقصّر في طلبه، فولَّى المتوكل حمدويه بن عليّ بن الفضل السعديّ أَذْرَبيجان، ووجّهه من سامراء على البريد، فلما صار إليها جمع الجند والشاكريّة ومَن استجاب له، فصار في عشرة آلاف، فزَحف إلى ابن البَعيث، فألجأه إلى مدينة مَرَنْد - وهي مدينة استدارتها فرسخان وفي داخلها بساتين كثيرة، ومن خارجها كما تدور شجر إلّا في موضع أبوابها - وقد جمع فيها ابن البعيث آلة الحصار، وفيها عيون ماء، فلما طالت مدّته وجه المتوكل زيرك التركي في مائة ألف فارس من الأتراك فلم يصنع شيئًا، فوجّه إِليه المتوكل عمرو بن سيسل بن كال في تسعمائة من الشاكريّة، فلم يُغنِ شيئًا، فوجَه إليه بغا الشرابيّ في أربعة آلاف ما بين تركيّ وشاكريّ ومغربيّ، وكان حمدويه بن عليّ وعمرو بن سيسل وزيرك زحفوا إلى مدينة مَرَنْد، وقطعوا ما حولها من الشجر، فقطعوا نحوًا من مائة ألف شجرة وغير ذلك من شجر الغِياض، ونصبوا عليها عشرين مِنْجَنيقًا، وبنوْا بحذاء المدينة ما يستكنّون فيه،