للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونصب عليهم ابن البعيث من المجانيق مثلَ ذلك؛ وكان مَنْ معه من عُلُوج رساتيقه يرمون بالمقاليع، فكان الرَّجُل لا يقدر على الدنوّ من سُور المدينة، فقُتل من أولياء السلطان في حَرْبه في ثمانية أشهر نحو من مائة رجل، وجُرح نحو من أربعمائة، وقتِل وجرِح من أصحابه مثل ذلك.

وكان حمدويه وعمرو وزيرك يغادونه القتال ويُراوحونه؛ وكان السور من قِبَل المدينة ذليلًا، ومن القرار نحوًا من عشرين ذراعًا، وكانت الجماعة من أصحاب ابن البعيث يتدلَّوْن بالحبال، معهم الرماح فيقاتلون؛ فإذا حُمِل عليهم من أصحاب السلطان لجؤوا إلى الحائط؛ وكانوا ربما فتحوا بابًا يقال له باب الماء؛ فيخرج منه العِدّة يقاتلون ثم يرجعون.

ولما قرب بُغا الشرابيّ من مَرَنْد بعث - فيما ذكر - عيسى بن الشيخ بن السَّليل الشيبانيّ، ومعه أمانات لوجوه أصحاب ابن البعيث، ولابن البعيث أن ينزلوا وينزل على حكم أمير المؤمنين وإلّا قاتلهم، فإن ظفر بهم لم يستبقِ منهم أحدًا، ومَنْ نزل فله الأمان؛ وكان عامة مَنْ مع ابن البَعيث من ربيعة من قوم عيسى بن الشيخ؛ فنزل منهم قوم كثير بالحبال، ونزل خَتن ابن البعيث على أخته أبو الأغر.

وذكر عن أبي الأغرّ هذا أنه قال: ثم فتحوا باب المدينة، فدخل أصحاب حمدويه وزيرك، وخرج ابن البعيث من منزله هاربًا يريد أن يخرج من وجه آخر؛ فلحقه قوم من الجند، معهم منصور قَهرمانه؛ وهو راكب دابةً، يريد أن يصير إلى نهر عليه رحًا ليستخفيَ في الرحا، وفي عنقه السيف، فأخذوه أسيرًا وانتهب الجند منزله ومنازل أصحابه وبعض منازل أهل المدينة، ثم نودي بعد ما انتهب الناس: برئت الذّمة ممن انتهب وأخذوا له أختين وثلاث بنات وخالته والبواقي سراريّ؛ فحصل في يد السلطان من حرمه ثلاث عشرة امرأة، وأخذ من وجوه أصحابه المذكورين نحوٌ من مائتي رجل، وهرب الباقون؛ فوافاهم بُغا الشرابيّ من غد، فنادى مناديه بالمنع من النهْب، فكتب بُغا الشرابيّ بالفتح لنفسه.

* * *

وخرج المتوكل فيها إلى المدائن في جمادى الأولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>