للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقدرته على ما يريد؛ اصطفى الإسلام فَرَضيَهُ لنفسه، وأكرم به ملائكته، وبعث به رسله، وأيّد به أولياءه، وكَنفَه بالبرّ، وحاطه بالنصر، وحرسه من العاهة، وأظهره على الأديّان، مبرَّأً من الشبهات، معصومًا من الآفات، محبوًّا بمناقب الخير، مخصوصًا من الشرائع بأطهرها وأفضلها، ومن الفرائض بأزكاها وأشرفها، ومن الأحكام بأعدلها وأقنعها، ومن الأعمال بأحسنها وأقصدها؛ وأكرم أهله بما أحلّ لهم من حلالِه، وحرّم عليهم من حرامه؛ وبيّن لهم من شرائعه وأحكامه، وحدّ لهم من حدوده ومناهجه، وأعدّ لهم من سعة جزائه وثوابه، فقال في كتابه فيما أمر به ونهى عنه، وفيما حضّ عليه فيه ووعظ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠)}، وقال فيما حرّم على أهله مما غمط فيه أهل الأديان من رديء المطعم والمشرب والمنكح لينزّههم عنه وليظهر به دينهم، ليفضّلهم عليهم تفضيلا: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ .... } إلى آخر الآية، ثم ختم ما حرّم عليهم من ذلك في هذه الآية بحراسة دينه؛ ممن عندَ عنه وبإتمام نعمته على أهله الذين اصطفاهم، فقال عزَّ وجلَّ: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الآية، وقال عزَّ وجلَّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} وقال: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ... } الآية، فحرّم على المسلمين من مآكل أهل الأديان أرجسَها وأنجسها، ومن شرابهم أدعاه إلى العداوة والبغضاء، وأصدّه عن ذكر الله وعن الصلاة، ومن مناكحهم أعظمها عنده وزْرًا، وأولاها عند ذوي الحِجَى والألباب تحريمًا، ثم حباهم محاسنَ الأخلاق وفضائل الكرامات؛ فجعلهم أهلَ الإيمان والأمانة، والفَضْل والتراحم واليقين والصدق؛ ولم يجعل في دينهم التقاطع والتدابرُ، ولا الحميّة ولا التكبر، ولا الخيانة ولا الغدر، ولا التباغي ولا التظالم؛ بل أمر بالأولى ونهى عن الأخرى، ووعد وأوعد عليها جَنّته ونارَه، وثوابه وعقابه؛ فالمسلمون بما اختصَّهم الله من كرامتِه، وجعل لهم من الفضيلة بدينهم الذي اختاره لهم، بائنون على الأديان بشرائِعهم الزّاكية، وأحكامهم المرضية الطاهرة، وبراهينهم المنيرة، وبتطهير الله دينهم بما أحلّ وحرّم فيه لهم وعليهم، قضاء من الله عزَّ وجلَّ في إعزاز دينه؛ حتمًا ومشيئة منه في إظهار حقه

<<  <  ج: ص:  >  >>