مراكب موقرة بالدَّقيق والزيت والتمر والسويق والشعير، وأمر قومًا من أصحابه أن يلجوا بها في البحر حتى يوافُوه في ساحل البحر من أرض البُجة، فلم يزل محمد بن عبد الله القمي يسير في أرض البُجة حتى جاوز المعادن التي يعمل فيها الذَّهب، وصار إلى حصونهم وقلاعهم، وخرج إليه ملكهم - واسمه علي بابا واسم ابنه لعيس - في جيش كثير وعدد أضعاف مَنْ كان مع القمي من الناس؛ وكانت البُجَة على إبلهم ومعهم الحراب وإبلهم فرَّةٌ تشبه بالمهاري في النجابة، فجعلوا يلتقون أيامًا متوالية، فيتناوشون ولا يصحِّحون المحاربة، وجعل ملك البُجة يتطارد للقمي لكي تطول الأيام طمعًا في نفاذ الزاد والعلوفة التي معهم؛ فلا يكون لهم قوَّة، ويموتون هزلًا، فيأخذهم البُجَة بالأيدي.
فلما توهَّم عظيم البُجة أن الأزواد قد نفذت، أقبلت السبع المراكب التي حملها القميّ حتى خرجت إلى ساحل من سواحل البحر في موضع يعرف بصنجة، فوجَّه القميَّ إلى هنالك جماعة من أصحابه يحمون المراكب من البُجة، وفرَّق ما كان فيها على أصحابه، فاتَّسعوا في الزاد والعلَوفة؛ فلما رأى ذلك علي بابا رئيس البُجة قصد لمحاربتهم، وجمع لهم، والتقوا فاقتتلوا قتالًا شديدًا؛ وكانت الإبل التي يحاربون عليها إبلًا زعرة، تكثر الفزَع والرُّعب من كل شيء؛ فلما رأى ذلك القميَّ جمع أجراس الإبل والخيل التي كانت في عسكره كلها، فجعلها في أعناق الخيل، ثم حمل على البُجة، فنفرت إبلهم لأصوات الأجراس، واشتدَّ رعبها، فحملتهم على الجبال والأودية، فمزَّقتهم كلَّ ممزِّق، واتبعهم القميَّ بأصحابه، فأخذهم قتلًا وأسرًا حتى أدركه الليل؛ وذلك في أول سنة إحدى وأربعين، ثم رجع إلى معسكره ولم يقدر على إحصاء القتلى لكثرتهم؛ فلما أصبح القميّ وجدهم قد جمعوا جمعًا من الرِّجالة، ثم صاروا إلى موضع أمنوا فيه طلب القميَّ، فوافاهم القميَّ في الليل في خيله، فهرب ملكهم؛ فأخذ تاجه ومتاعَه، ثم طلب علي بابا الأمان على أن يُرَدَّ إلى مملكته وبلاده، فأعطاه القميَّ ذلك، فأدى إليه الخراج للمدة التي كان منعها - وهي أربع سنين - لكل سنة أربعمائة مثقال، واستخلف علي بابا على مملكته ابنه لعيس، وانصرف القميّ بعلي بابا إلى باب المتوكل، فوصل إليه في آخر سنة إحدى وأربعين ومائتين، فكسا علي بابا هذا دُرَّاعة ديباج وعمامة سوداء، وكسا جمله رحْلا