مولى الهادي، وهو المعروف بقوصرة، وجعل إليه بريد مصر والإسكندرية وبرقة ونواحي المغرب، فكتب يعقوب إلى المتوكل أن البجة قد نقضت العهد الذي كان بينهما وبين المسلمين، وخرجت من بلادها من معادن الذهب والجوهر؛ وهي على التَّخوم فيما بين أرض مصر وبلاد البُجة، فقتلوا عدة من المسلمين ممن كان يعمل في المعادن ويستخرج الذهب والجوهر، وسبَوْا عدَّة من ذراريَّهم ونسائهم؛ وذكروا أن المعادن لهم في بلادهم، وأنهم لا يأذنون للمسلمين في دخولها؛ وأن ذلك أوحش جميع من كان يعمل في المعادن من المسلمين، فانصرفوا عنها خوفًا على أنفسهم وذراريهم فانقطع بذلك ما كان يؤخذ للسلطان بحقِّ الخمس من الذَّهب والفضة والجوهر الذي يستخرج من المعادن؛ فاشتدَّ إنكار المتوكل لذلك وأحفظه، وشاور في أمر البُجة، فأنهى إليه أنهم قوم أهل بدو وأصحاب إبل وماشية، وأن الوصول إلى بلادهم صعب لا يمكن أن يسلك إليهم الجيوش، لأنها مفاوز وصحارى، وبين أرض الإسلام وبينها مسيرة شهر؛ في أرض قفر وجبال وعر، لا ماء فيها ولا زرع ولا معقل، ولا حصن؛ وأن من يدخلها من أولياء السلطان يحتاج أن يتزوَّد لجميع المدَّة التي يتوهم أن يقيمها في بلادهم إلى أن يخرج إلى أرض الإسلام، فإن امتدَّ به المقام حتى يتجاوز تلك المدة هلك وجميع من معه، وأخذتهم البُجَّة بالأيدي دون المحاربة، وأنَّ أرضهم أرض لا تردُّ على السلطان شيئًا من خراج ولا غيرة.
فأمسك المتوكل عن التوجيه إليهم، وجعل أمرُهم يتزيَّد، وجرأتهم على المسلمين تشتدَّ حتى خاف أهلُ الصعيد من أرض مصر على أنفسهم وذراريَّهم منهم؛ فولَّى المتوكل محمد بن عبد الله المعروف بالقمي محاربتهم، وولَّاه معاون تلك الكور - وهي قفط والأقصر وإسنا وأرمنت وأسوان - وتقدَّم إليه في محاربة البُجَة؛ وأن يكاتب عنبسة بن إسحاق الضبئ العامل على حرب مصر. وكتب إلى عنبسة بإعطائه جميع ما يحتاج إليه من الجند والشاكريَّة المقيمين بمصر.
فأزاح عنبسة عِلَّته في ذلك، وخرج إلى أرض البُجَّة، وانضمَّ إليه جميع ممَنْ كان في المعادن وقوم كثير من المتطوعة، فكانت عدَّة من معه نحوًا من عشرين ألف إنسان؛ بين فارس وراجل، ووجَّه إلى القلزم، فحمل في البحر سبعة