المؤمنين! أراد ألا يدع كاتبًا ولا قائدًا إلا أوقع بهم، فمن يقوم بالأعمال يا أمير المؤمنين؛ وغدا نجاح؛ فأجلسه عبيد الله في مجلسه، ولم يؤذن له، وأحضر موسى بن عبد الملك والحسن بن مخلد، فقال لهما عبيد الله: إنه إن دخل إلى أمير المؤمنين دفعكما إليه فقتلكما، وأخذ ما تملكان، ولكن اكتبان إلى أمير المؤمنين رقعة تقبَّلان به فيها بألفي ألاف دينار؛ فكتبا رقعة بخطوطهما، وأوصلها عبيد الله بن يحيى، وجعل يختلف بين أمير المؤمنين ونجاح وموسى بن عبد الملك والحسن بن مخلد؛ فلم يزل يدخل ويخرج ويعين موسى والحسن؛ ثم أدخلهما على المتوكل، فضمنا ذلك؛ وخرج معهما فدفعه إليهما جميعًا؛ والناس جميعًا الخواص والعوام، وهما لا يشكَّان أنهما وعبيد الله بن يحيى مدفوعون إلى نجاح؛ للكلام الذي دار بينه وبين المتوكل، فأخذاه، وتولى تعذيبه موسى بن عبد الملك، فحبسه في ديوان الخراج بسامراء، وضربه دِرَرًا وأمر المتوكل بكاتبه إسحاق بن سعد - وكان يتولى خاصَّ أموره وأمر ضياع بعض الولد - أن يغرَّم واحدًا وخمسين ألف دينار، وحُلِّفَ على ذلك، وقال: إنه أخذ مني في أيام الواثق، وهو يخلف عن عمر بن فرج خمسين دينارًا، حتى أطلق أرزاقي، فخذوا لكل دينار ألفًا وزيادةَ ألف فضلًا كما أخذ فضلًا. فحُبس ونُجِّمَ عليه في ثلاثة أنجم؛ ولم يطلَق حتى أدَّى تعجيلَ سبعة عشر ألف دينار، وأطلق بعد أن أخذ منه كُفلاء بالباقي، وأخذ عبد الله بن مخلَد، فأغرم سبعة عشر ألف دينار، ووجَّه عبيد الله الحسين بن إسماعيل - وكان أحد حجاب المتوكل - وعتَاب بن عتاب عن رسالة المتوكل أن يضرَب نجاح خمسين مقرعة إن هو لم يقرَّ ويؤد ما وصف عليه، فضربه ثم عاوده في اليوم الثاني بمثل ذلك، ثم عاوده في اليوم الثالث بمثل ذلك؛ فقال: أبلغ أمير المؤمنين أني ميِّت. وأمر موسى بن عبد الملك - جعفرًا المعلوف ومعه عوْنان من أعوان ديوان الخراج، فعصروا مذاكيره حتى برد فمات. وأصبح فركب إلى المتوكل فأخبره بما حدث من وفاة نجاح، فقال لهما المتوكل: أني أريد مالي الذي ضمنتاه، فاحتالاه، فقبضا من أمواله وأموال ولده جملة، وحبسا أبا الفرج - وكان على ديوان زمام الضياع من قبل أبي صالح بن يزْداد - وقبضا أمتعته كلها وجميع ملكه، وكتبا على ضياعه لأمير المؤمنين، وأخذا ما أخذا من أصحابه؛ فكان المتوكل كثيرًا ما يقول لهما كلَّما شرب: ردُّوا عليَّ كاتبي؛ وإلا فهاتوا المال؛ وضمَّ توقيع ديوان العامة إلى عبيد الله بن يحيى،