نُدمائه وخاصّته - وقد كان واعد الأتراك على قتل المتوكل قبل انصرافه إذا ثمل من النبيذ - قال: فلم ألبث أن جاءني الرّسول: أن احضر فقد جاءت رسل أمير المؤمنين إلى الأمير؛ وهو على الركوب؛ فوقع في نفسي ما كان دار بيننا أنهم على اغتيال المنتصر؛ وأنه إنما يُدعَى لذلك؛ فركبت في سلاح، وعِدّة، وصرت إلى باب الأمير، فإذا هم يموجون؛ وإذا واجن قد جاءه فأخبره أنه قد فَرَغَ من أمره، فركب فلحقتُه في بعض الطريق وأنا مرعوب؛ فرأى ما بي، فقال: ليس عليك! إن أمير المؤمنين قد شرق بقدح شربه بعد انصرافنا، فمات رحمه الله.
فأكبرت ذلك، وشقّ عليّ، ومضينا وأحمد بن الخصيب وجماعة من القوّاد معنا حتى دخلنا الحَيْر، وتتابعت الأخبار بقتْل المتوكّل، فأخِذت الأبواب، ووُكّل بها، وقلت: يا أميرَ المؤمنين، وسلَّمْتُ عليه بالخلافة، وقلت: لا ينبغي أن نفارقك لموضع الشَّفَقة عليك من مواليك في هذا الوقت، قال: أجل؛ فكن أنت من ورائي وسليمان الروميّ، وألْقِيَ منديلٌ، فجلس عليه، وأحطْنا به، وحضر أحمد بن الخصيب وكاتبه سعيد بن حميد لأخذ البيعة (١).
فذُكر عن سعيد بن حُميد أن أحمد بن الخصيب، قال له: ويلك يا سعيد! معك كلمتان أو ثلاث تأخذ بها البيعة، قلت: نعم؛ وكلمات، وعملت كتاب البيعة، وأخذتها على مَنْ حضر وكلّ من جاء حتى جاءَ سعيد الكبير، فأرسله إلى المؤيّد، وقال لسعيد الصغير: امض أنت إلى المعتزّ حتى تُحضره، قال سعيد الصغير: فقلت: أمّا ما دمْتَ يا أمير المؤمنين في قلّة ممّن معك فلا أبرح والله من وراء ظهرك؛ حتى يجتمع الناس، قال أحمد بن الخصيب: هاهنا مَنْ يكفيك، فامض؛ فقلت: لا أمضي حتى يجتمع مَنْ يكفي؛ فإنِّي الساعة أوْلى به منك! فلما كثر القوّاد، وبايعوا؛ مضيت وأنا آيس من نفسي، ومعي غلامان؛ فلما صرتُ إلى باب أبي نوح، والناس يموجون ويذهبون ويجيئون؛ وإذا على الباب جمعٌ كبير في سلاحِ وعِدّة، فلما أحسُّوا بي لحقني فارس منهم؛ فسألني وهو لا يعرفني: مَنْ أنت؟ فعمَّيت عليه خبري، وأخبرته أنِّي مِنْ بعض أصحاب الفتح، ومضيتُ حتى صرت إلى باب المعتزّ، فلم أجد به أحدًا من الحرس
(١) كعادته ينفرد الطبري بتفاصيل دون غيره من المؤرخين المتقدمين وانظر تعليقنا السابق.