للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبوابين والمكبّرين ولا خلقًا من خلق الله حتى صرت إلى الباب الكبير، فدقَقتُه دقًّا عنيفًا مفرطًا، فأجِبت بعد مدّة طويلة، فقيل لي: من هذا؟ فقلت: سعيد الصغير؛ رسول أمير المؤمنين المنتصر؛ فمضى الرّسول، وأبطأ عليّ، وأحسست بالمنكر وضاقت عليّ الأرض، ثم فُتح الباب فإذا ببيدون الخادم قد خرج؛ وقال لي: ادخل وأغلق الباب دوني، فقلت: ذهبتْ والله نفسي، ثم سألني عن الخبر، فأخبرته أنَّ أمير المؤمنين شرِق بكأسٍ شربها ومات من ساعته؛ وأن الناس قد اجتمعوا وبايعوا المنتصر، وأنه أرسلني إلى الأمير أبي عبد الله المعتزّ بالله ليحضر البَيْعة، فدخل ثم خرج إليّ؛ فقال: ادخل، فدخلت على المعتزّ؛ فقال لي: ويلك يا سعيد! ما الخبر؟ فأخبرته بمثل ما أخبرت به بيدون، وعزّيته وبكيت، وقلت: تحضر يا سيّدي، وتكون في أوائل مَنْ بايع، فتستدعي بذلك قلب أخيك، فقال لي: ويلك حتى نصبح! فما زلت أفتِله في الحبل والغارب؛ ويُعينني عليه بيدون الخادم، حتى تهيّأ للصلاة، ودعى بثيابه فلبسَها، وأخرج له دابّة، وركب وركبت معه، وأخذت طريقًا غير طريق الجادّة، وجعلت أحدّثه وأسهّل الأمر عليه، وأذكره أشياء يعرفها من أخيه، حتى إذا صرنا إلى باب عبيد الله بن يحيى بن خاقان سألني عنه، فقلت: هو يأخذ البيعة على الناس، والفتح قد بايع، فيئس حينئذ؛ وإذا بفارس قد لَحِق بنا، وصار إلى بيدون الخادم، فسارّه بشيء لا أعلمه، فصاح به بيدون؛ فمضى ثم رجع ثلاثًا؛ كلّ ذلك يردّه بيدون ويصيح به: دعنا؛ حتى وافينا بابَ الحَيْر فاستفتحته فقيل لي: مَنْ أنت؟ قلت: سعيد الصغير والأمير المعتزّ، ففُتح لي الباب، وصرنا إلى المنتصر؛ فلمَّا رآه قرّبه وعانقه وعزّاه، وأخذ البيعة عليه؛ ثم وافى المؤيد مع سعيد الكبير، ففعل به مثل ذلك، وأصبح الناس، وصار المنتصر إلى الجعفريّ، فأمر بدفن المتوكل والفتح، وسكن الناس، فقال سعيد الصغير: ولم أزل أطالب المعتزّ بالبُشرى بخلافة المنتصر وهو محبوس في الدار، حتى وَهب لي عشرة آلاف درهم (١).

* * *


(١) هذه تفاصيل لا نستطيع نفيها ولا إثباتها وأمثالها بحاجة إلى إسناد موصول رجاله ثقات في نظر ابن حبان على الأقل دون أن يكونوا مجروحين، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>