للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو جعفر: ولم أزل أسمع الناس حين أفضت إليه الخلافة من لَدُنْ وَليَ إلى أن مات يقولون: إنما مدّة حياته ستة أشهر، مدّة شيرويه ابن كسرى قاتل أبيه، مستفيضًا ذلك على ألسن العامة والخاصة (١).

وذُكر عن يُسْر الخادم؛ وكان - فيما ذكر - يتولى بيت المال للمنتصر في أيام إمارته: أنه قال: كان المنتصر يومًا من الأيام في خِلافته نائمًا في إيوانه، فانتبه وهو يبكي وينتحب؛ قال: فهبْته أن أسأله عن بكائه، ووقفتُ وراء الباب؛ فإذا عبد الله بن عمر البازيار قد وافى فسمع نحيبه وشهيقه، فقال لي: ما له؟ ويحك يا يسر! فأعلمته أنه كان نائمًا فانتبه باكيًا، فدنا منه، فقال له: ما لك يا أمير المؤمنين تبكي لا أبكى الله عينك؟ ! قال: ادنُ مني يا عبد الله؛ فدنا منه فقال له: كنت نائمًا، فرأيت فيما يرى النائم كأنّ المتوكل قد جاءني، فقال لي: ويلك يا محمد! قتلتني وظلَمتني وغبنْتنِي في خلافتي؛ والله لا تمتّعت بها بعدي إلا أيامًا يسيرة، ثم مصيرك إلى النار. فانتبهتُ وما أملك عيني ولا جَزعي، فقال له عبد الله: هذه رؤيا؛ وهي تصدق وتكذب، بل يعمّرك ويسرّك الله؛ فادع الآن بالنبيذ، وخذ في اللهو، ولا تعبأ بالرؤيا، قال: ففعل ذلك؛ وما زال منكسرًا إلى أن تُوفِّيَ.

وذكر أنّ المنتصر كان شاور في قتل أبيه جماعةً من الفقهاء، وأعلمهم بمذاهبه، وحكى عنه أمورًا قبيحة كرهت ذكرها في الكتاب؛ فأشاروا عليه بقتلِه؛ فكان من أمره ما ذكرنا بعضه.

وذُكر عنه أنه لما اشتدّت به علّتُه؛ خرجت إليه أمُّه فسألته عن حاله، فقال: ذهبتْ والله مني الدنيا والآخرة.

قال إبراهيم بن جيش: حدثني موسى بن عيسى الكاتب، كاتب عمي يعقوب وابن عمي يزيد، أنّ المنتصر لما أفضت الخلافة إليه، كان يُكثر إذا سكر ذكر


= لقد عوجلت فما أسمع بأذني ولا أبصر بعيني وكان في مرضه الذي مات فيه [المنتظم ١٢/ ١٧] وانظر تاريخ بغداد [١٢/ ١٢١] وهذا أصح ما ورد في خبر وفاته والله أعلم.
(١) وجزم ابن كثير بفحوى هذا الكلام فقال: ولا خلاف أنّه إنما ولي الخلافة ستة أشهر لا غير [البداية والنهاية ٨/ ٢١٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>